البناء السردي في رواية ملحمة روسيو ..للكاتب المغربي عبد الكريم عباسي
عزالدين شافي
1)الشخصية الإشكالية المركبة …
تخضع الرواية لمجموعة من العناصر الفنية التي تساهم في تشكيلها بالصيغة التي يحددها لها المؤلف من خلال رؤيته الفلسفية والفنية وطريقة سرد الاحداث واختيار الأمكنة والأزمنة والشخصيات الفاعلة ..وغالبا ما نجد تباينا ملحوظا في كل نمط روائي، فقد تصادفنا روايات عقيمة المحتوى غارقة في السرد العشوائي أو الغوص في تفاصيل وجزئيات جانبية لا تشد انتباه القارئ …وأحيانا تشدنا الرواية بجمالية سردها وجاذبية موضوعها وشخصياتها المركبة .
رواية « ملحمة روسيو » من جملة الروايات القليلة التي تتناول إشكالية المثقف في المجتمع وما يعانيه من انفصال وغربة وعزلة خارجية تجعله ينغمس في عوالمه الخاصة التي تحدد كينونته الوجودية المختلفة عن التصورات السائدة والأفكار العامة الرائجة في محيطه الاجتماعي ….
اختار « عبد الكريم عباسي » البرتغال وإسبانيا كفضاءين لهذه الرواية لأن جل الاحداث تقع في لشبونة وإشبيلية مستحضرا من خلالها المقومات التاريخية والحضارية لكلا البلدين الجارين اللذين تجمعها روابط ثقافية وتاريخية مشتركة وداخل هذين الفضاءين يستحضر السارد كل المكونات الثقافية التي تجسد هذه الهوية بكل تنوعاتها وتجلياتها الفنية المختلفة …سواء من حيث وصف المعالم العمرانية التاريخية أو من حيث الموسيقى العريقة التي تجسد هذا العمق التاريخي للحضارتين البرتغالية والإسبانية (لشبونة وإشبيلية)
لعل أهم عنصر في هذه الرواية الذي يلفت انتباه المتلقي هو ربط كل الأحداث بشخصية « خوسي » مؤلف « ملحمة روسيو » وزوجته » كاتالينا » وحبيبته « إلينا » ، فخوسي مثقف وفنان موسيقي بارع يعشق الحياة والكتابة وانشغالاته الثقافية متعددة لكنه في نفس الوقت يشعر بالاغتراب والفشل في خلق سعادة أسرية مع رفيقة عمره ، يعاني من عزلة واغتراب في بيته مع زوجته التي تعاني من برود عاطفي واضطراب سيكولوجي مستمر ينغص حياته واستقراره النفسي لكنه يجد نفسه مكرها لتعويض هذا الفشل العاطفي بالموسيقى وكتابة الرواية والغوص في عمق الشخصيات التي يختارها بدقة لهذه المؤلفات الروائية
يبدو خوسيه في هذه الرواية شخصية مركبة يتداخل فيها
السيكولوجي والاجتماعي والثقافي والعاطفي، ولقد تمكن المؤلف أن يقدمه للقارئ في وضعيات سيكولوجية مختلفة على شاكلة لوحة تشكيلية مختلفة الألوان، فتارة يكون فيها هادئا رزينا مع زوجته وتارة يبدو كئيبا غارقا في همومه الداخلية حينما يجد نفسه في عزلة عاطفية عن زوجته وتارة أخرى نجده غارقا في تأملاته الفكرية التي جعلت منه كاتبا عبقريا مرموقا ومشهورا في البرتغال …
يتبع
المقالة القادمة
جمالية الفضاء الروائي في الرواية