) تنوع الشخصيات وتداخل الأصوات السردية في رواية ملحمة روسيو للكاتب المغربي عبد الكريم عباسي
عزالدين شافي
يقتضي البناء السردي للرواية تنسيقا وترتيبا دقيقا للأحداث وربطها بالشخصيات والزمن والمكان وفقا لمقصدية المؤلف ورؤيته الفلسفية، فقد يكون المؤلف ناجحا في هذا التصميم السردي ويمنح العمل الأدبي قوة تأثيرية وجمالية كما قد لا يكون موفقا في ذلك وبالتالي لا ترقى الرواية إلى ما كان ينتظره ….
معلوم أن نجاح الرواية لا يكمن في الفكرة أو الموضوع او القضية المعبر عنها داخل المتن الحكائي، بل يتجلى بالدرجة الأولى في اللغة السردية والأسلوب والوصف واختيار الشخصيات المتناقضة التي بواسطتها يتم إدماج مختلف التصورات والرؤى المعبر عنها …ويبقى المؤلف مجرد صوت من مجموعة من الأصوات الحاضرة …
ونحن بصدد قراءة هذا المنجز الروائي »ملحمة روسيو » للأستاذ عبد الكريم عباسي لا بد وأن نتطرق لهذه الظاهرة الروائية التي ركز عليها مجموعة من المهتمين بالفنون السردية كباختين ورولان بارت وغيرهما ممن اهتموا بملامح الاختلاف بين شخصيات النص الروائي …
لقد اعتمد المؤلف على السرد التسلسلي المترابط مع تنويع في الأزمنة والأمكنة والشخصيات حتى لا يشعر القارئ بالرتابة والفتور ويظل مشدودا للأحداث والشخصيات ..ورغم كونه اختار السرد بضمير الغائب ووجود سارد عالم بكل ما يقع يحكي ويعلق ويصف، فإن ذلك لم يمنعه من التدخل في عملية السرد بفسح المجال لمجموعة من الشخصيات للتعبير بحرية وتلقائية عن تصوراتها وأفكارها ومشاعرها تارة عن طريق الوصف الداخلي والخارجي، وتارة بواسطة الحوار وتبادل الكلام ،مما يجعل القارئ في مواجهة مباشرة مع الشخصية لكي يتمكن من معرفة أفكارها وعواطفها دون تدخل من السارد العالم بكل شيء …كما ساهم هذا الحوار في تكسير الرتابة السردية ومنح الرواية جمالية ومتعة وتشويقا وإثارة …
رواية « ملحمة روسيو » تقدم لنا صورة درامية عن الأحداث التي عرفها العالم إبان مرحلة كورونا وانعكاسات هذا الوباء على إيقاع الحياة عبر مختلف أرجاء المعمور…ومن جهة أخرى تغوص في مجموعة من القضايا الاجتماعية والعاطفية الإنسانية ومحنة المثقف وعلاقته بمحيطه الاجتماعي ، وما دامت الرواية مركبة من تيمات مختلفة ومتداخلة فكان من اللازم الفني التنويع في الشخصيات وتوزيع السرد حسب مقام كل حدث وزمان ومكان ، وهو ما سنوضحه بايجاز حسب طبيعة كل شخصية من شخصيات الرواية وحسب السياق الروائي الذي تنجز فيه افعال هذه الشخصيات ..
تختلف شخصيات « ملحمة روسيو » اختلافا كبيرا في أفكارها وسيكولوجيتها ونظرتها للحياة، وهذا التباين الفكري والوجداني هو ما دفع المؤلف ليضع كل شخصية مباشرة أمام القارئ دونما تدخل من الراوي ليكشف من خلال صوتها ما يجول في أعماق ذاتها ومن جملة الأصوات التي نسمعها يمكن أن نشير من أجل التوضيح الى ما يلي
خوسي كاتب ومؤلف روائي ذائع الصيت في البرتغال يعاني من الحزن والكآبة …. ويبدو غريبا في بيته غارق في التأمل ومتابعة منشورات العالم الافتراضي
كاتالينا ..شخصية انفعالية ومنعزلة تعاني من الوحدة خصوصا بعد سفر توأميها الى الولايات المتحدة من أجل الدراسة …وصوتها في الرواية لا يتغير
* بيدرو وخوسي ..تجمع بينهما علاقة حب ومودة وتقدير
(بيدرو صاحب المكتبة الشهيرة في لشبونة الذي كان له الفضل في تكوين شخصية خوسي ….)
*خوسي والينا علاقة حب رومانسي تغلب عليه اللغة العاطفية والرومانسية والشعرية …. يختلف كثيرا عن علاقة *خوسي وزوجته كاتالينا الذي يتجلى من خلال الحوارات المتشنجة الكثيرة بين الشخصيتين …(حوار صاخب ومستفز وعنيف يخلو من الود والحب والحنان ) يعقبه وصف داخلي تكميلي يشخص وضعية الانفصال العاطفي والعزلة الفردية لخوسيه : »تلاشت أحاسيسهما ،وكأنما لم تعد تعني لهما أي شيء ، فانفصلت روابطهما ،وفكت رموزها وأعلنت موتها، قل الحديث والاهتمام ببعضهما البعض ،وغابت الكلمات العاطفية الجميلة التي تحرك الأحاسيس وتقوي الاواصر .. »ص/21
وهناك أصوات كثيرة في الرواية ولكنها عابرة وموجزة جاءت في سياق السيرورة السردية كتكملة للحوارات المركزية….
إن جميع هذه الأصوات الحاضرة في الرواية جعلت القارئ متأملا منصتا متابعا لمسار الحكي حتى تتشكل في ذهنه الصورة الحقيقية لكل شخصية من هذه الشخصيات المختلفة…