إحدى عشرة سنة … وجرح القلب لا يشيخ

المختار عنقا الادريسي:
في ذكرى الراحل العزيز سي محمد الطاهري الورطاسي، تمر السنوات، تتعاقب الفصول، تطوح بنا الحياة في دروبها الوعرة والمتشابكة. تمر كأنها عمر ثان للفقد الذي لا ولن يقاس بالأيام ولا بالسنين ولا باللحظات التشاركية ولا بالمواقف المتقاسمة المتراوحة جيئة وذهابا بين الأسى والامتنان، بل بمدى الفراغ الذي خلفه رحيلك سي محمد الطاهري، في الروح قبل القلب.
فذكراك- أيها الغالي – ستبقى راسخة في الوجدان والقلب والذاكرة حاضرة في تفاصيلنا ودقائق حياتنا اليومية وكأنها لم تفارقنا يوما.
واليوم تحل ذكرى رحيلك صديقي وأخي وصهري سي محمد الطاهري، المناضل الصلب الذي لم يكن مجرد شخص عابر في حياتي وكل الأسرة الكبيرة. لقد كنت ركنا من أركان الأسرة الأساس ورفيقا في دروب الحياة وأخا في السراء والضراء للجميع ذاكرة لا تشيخ.
ها قد مرت سنوات دون أن تنمحي ملامحك من القلب وتعاقبت شتاءات لم تستطع أن تطفى دفء حضورك في الذاكرة. ونحن نستعيد ذكرى كل الأحبة – وانت منهم – الراحلين عن عالمنا فإنا لا نفعل ذلك لأننا سجيني الحنين بل لأن أثرهم فينا لا ولن يمحى أبدا، فصورتك مازالت منقوشة في المخيال وابتسامتك استرجعها كلما داهمتني لحظات الصمت أو تأملات ما الت إليه الأوضاع. كلماتك، مواقفك، نضالك، تضحياتك، قلقك، ابتسامتك، وكل تفاصيل حياتك اليومية، كلها تحضرني اليوم لتذكرني بأن بعض الأحبة يتركون بصمتهم مطبوعة بالوجدان والى الأبد، الفقد جرح نازف ببطء.
نم قرير العين يا صديق الروح وأخ القلب وصهر الحياة، فأنت لم تكن رفيق الدرب، بل كنت الدرب نفسه، كنت الوجه الذي يتم الالتفات إليه حين تضيق المسالك، كنت الأنيس الدائم في لحظات الأسى، كنت الكلمة الطيبة والصادقة حين يعلو ضجيج الزيف واليد الدافئة في زمهرير الأيام والابتسامة الصافية على الدوام.
فغيابك ليس موتا، بل هو امتداد للحضور بطعم وشكل مغايرين. واعلم – رحمة الله عليك – أن ظلك مازال يخيم على الممرات القديمة ويسكن المواقع المهجورة. وأن ضحكتك دائمة التردد في صدى الأمسيات التي كنا نقضيها جميعا، وغدت ذكراك نقش بمداد الفخر في الذاكرة لن يمحوه مرور السنين مهما طالت وتعاقبت. وأن الحزن عليك ليس بكاء فحسب، بل هو ذاك الخيط النابض على الدوام والرابط بين الماضي والحاضر والذي يجعل القلب ينزف بصمت كلما حلت الذكرى. وعندما نسترجع ذكراك كتابة فليس بهدف أن نوقظه الحزن من مرقده او نشعلها نار الأسى. وإنما لنؤكد أن الوفاء أطول عمرا من كل النسيان أو التناسي وأن الأرواح البهية وإن غابت، ستظل تضيء ولو من بعيد كنجمة تأبى الأفول.
سي محمد الطاهري الإنسان قبل كل شيء
في ختام كلمتي هذه أجدني ملزما بالقول: أني عرفتك انسانا مميزا، صديقا وفيا وأخا حنونا وصهرا كريما، تحمل قلبا يتسع للجميع، تمد يدك بصدق، تفتح باب بيتك بفرح طفولي وكرم حاتمي، تعطي رأيك بحب بعيدا عن أي تعصب أو تشدد أحاديث الاتجاه، وكل ذلك يجعلك – كنت – تبدو في كل المواقف الصعبة شامخا معطاء، فكنت بحق منارة لكل من عرفك أو عاشرك أو ناضل الى جنبك
الوفاء ذكرى ودعاء، وفي مثل هذه الذكرى لا يسعني الا أن أقول: اللهم اجعل قبره سلاما وروحه في سعة رحمتك واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل من دعائنا جسرا يصل إلى روحه في العلياء كما كان هو جسر يصلنا بالحياة.