الأقطاب العمومية للإعلام، تدمر الوجدان وتحرض على التفاهة
د. سعيد ألعنزي تاشفين
وأنت تنتقل من الأولى إلى الثانية كل ليلة سبت تصادف سهرات رتيبة تستقطب فناني » باك صحبي « . منتهى الاستصغار والإساءة إلى الذوق الجمعي عبر نشر » الفن » نفسه دون إبداع ولا تراكم جمالي !! سهرات البؤس الفني الذي يقدم صورة نمطية عن المغرب الغني بالأهازيج والتراث الفني العميق الممتد من ملحون تافيلالت ، إلى ركّادة الشرق ، نحو الفن الجْبلي الفريد إفريقيا الممتد من أعالي تازة مرورا بالشاون ووزان وتاونات نحو أقاصي المتوسط، إلى الترانيم الأمازيغية التي أبدعت فيها مجموعة إزنزارن بقيادة الفنان الكبير عبد الهادي إيكوت مثالا لا حصرا. وإذا كان المغرب أرض الحضارة الممتدة في شرعية التاريخ، فإن المسؤولين على قنوات القطب العمومي أصبحوا متخصصين في خدش قيم الجمال والفن فينا، حيث تجدهم يحاربون كل أصيل ويدعّمون السطحية ويستفزون مشاعرنا .
ومن القناة الثانية المتخصّصة، عن سبق إصرار وترصد، في تخريب الذوق بأموال دافعي الضرائب، نحو الأولى قناة أفلام تركيا المعادية للأخلاق العامة و برنامج كوميديا السطحية والجهل الذي يسوّق للضحك الباسْل باسم » سطانداب » النمطي الذي لا يتغير وبمنهجية عمل سطحية وتافهة، إلى الرابعة المنتجة لمضامين الجهل المؤسس، نحو السادسة التي تقدم الدين السطحي كخدمة مجانية تؤدى للاتجاهات النكوصية، إلى الثامنة التي تخرّب القيم الأمازيغية المفعمة بقيم الذكاء الترابي باسم البهرجة وفلكرة الأمازيغية ودبلجة العار ضمن سياسة القرب التي تبلِّغ العار والتحريف إلى المداشير البعيدة وإلى الأرياف الممانعة في سياق نشر الثقافة المضادة ومسح الثقافة الأصيلة، ما تزال معركة المسح المبين وتحريف اللاشعور و تنميط الوجدان مستمرة .
ونتساءل :
ألا يحق لنا أن نستفيد من إعلام ينتج قيما جمالية وفنية راقية بعيدا عن استثمار نبرة » لعروبي » و » الشلح » في انتزاع ضحكات صفراء من أفواه ضحايا إعلام » التكلاخ » و القولبة ؟!
ألا يحق لنا، نحن دافعي الضرائب، الاستمتاع بمسرحيات مناسبة في ليلة نهاية الأسبوع، بدل تدميرنا بفناني » الهمزة » من متخصصي » إيني حا إيني حاحا » الذين يقْعون على قلوبنا وعلى ذوقنا يبو… و لا حرج !!
أليس احتقار أغاني الملحون والجْبلي والمراكشي والأمازيغي الأصيل .. نهجا إقصائيا ربما يصل إلى درجة الميز العنصري ضد مكونات ثقافية بعينها ؟! ، وكأن المغرب هو فقط الدار البيضاء و القنيطرة .. على حساب باقي الروافد الثقافية المشكلة للشخصية الثقافية المغربية الضاربة في أعماق التاريخ .
أليس العود والوتر والكمان من مميزات هويتنا الثقافية، وبامتداد حضاري كبير كما يؤكد الفنان العميق نعمان لحلو، شريطة أن يحضر الموشّح والقصيدة والكلام المرصع والشعر والزجل، بدل كل هذا الضجيج المنظم في قوالب ألحان ميكانيكية مثيرة للغضب والانفعال والحسرة ؟!
أليس الفن مدخلا أساس لتهذيب القلوب وتربية الوجدان وتكريس المتعة والراحة بعد أسبوع من الشنآن في معترك الدنيا ؟! ، أم ترى المشرفين على قنواتنا لا يهمهم سوى إتاحة الفرصة أمام أشباه الفنانين بمنطق متخلف وبئيس لا تهمه القيم الجمالية و الفنية لدرجة إعلاء شأن التفاهة بالعلاّلي !!
ومبدئيا ، وبكل مسؤولية حقوقية وفكرية، أطالب بإقالة كل المديرين الذين قضوا سنوات على رأس كل المديريات بقنوات القطب العمومي . فلا يعقل أن يظل فلان مديرا لسنوات وكأن الإعلام ليس واجهة مهمة في مشروع الإصلاح. وأستغرب من صمت النقاد والصحفيين عن تناول قضايا السياسات العمومية الثقافية و الإعلامية !! وكأنهم كذلك لا يؤمنون بكون الإعلام من الأدوات الخطيرة جدا في إنتاج الانحراف لما يلعبه من أدوار دقيقة في التنشئة الاجتماعية.
و لماذا إذن لا يسائل البرلمان بغرفتيه السياسة الإعلامية المتخلفة جدا لدرجة أن جل البرامج بئيسة ودون أدنى مضمون قيمي حضاري. وأول الانحرافات سهرات نمطية تجعل بيوتنا على غرار » الكاباريات » ليلة السبت إذ لا ينقصها إلا الأضواء المتغيرة ومنصات الشطيح ؟!
وختاما و بلغة مباشرة أصرح: حشومة وعيب هذا الزفت للي تيقتلنا فدماغنا وتيضرنا فلخاطر !! الضجيج المنظم والصداع الملحّن في الثانية، والضحك الباسل في الأولى، والبهرجة والفلكرلة في الثامنة وفرائض الوضوء في السادسة، والجهل المؤسس في الرابعة .. أوزيد أوزيد !!!!
وعباد الله بدلو المديرين راه عيّاونا وهم ماكثين في مناصبهم لسنوات وعقود ولا يتغيرون !! يسيؤون للدولة وكأننا بلد غير ديموقراطي بدليل عدم التداول على المسؤوليات !! وهم يخرّبون الذوق العام باسم الفرجة و الحق في المتعة. وجْمعوا القنوات فجوج فقط بمستوى عال بدل هذا العبث الإعلامي الذي يؤدي ميزانيات ضخمة للانخراط في الأقمار الاصطناعية، ولدرجة أن الصحافة والنّقاد أضحوا صامتين غير قادرين على نقد هذا التخربيق، والضحية طبعا تخريب الذوق وتدمير الوجدان والتحريض على الانحراف !!