اسبانيا الجاحدة
رأي في قضية
فؤاد الجعيدي
لنقلها صراحة، اسبانيا لازلت تحن إلى زمن القراصنة القدامى، في التعاطي مع قضايا الشعوب، ولم تفلح نفحات رياح التغيير التي هبت عليها من أروبا، أن تنسيها ذلك التراث المفعم بالنزعة العدوانية، والمليء بالتعطش للدم والتنكر لقيم التاريخ المشترك مع الحضارة العربية.
إنها الثقافة التي ظلت على امتداد القرون، تمجد الحروب بين الصليبيين والمسلمين، الذي نهضوا بالجزيرة الإبرية، وخلدوا فيها تراثا وإرثا حضاريا وإنسانيا كبيرا، لكن في المقابل تلطخت أيادي الإسبان بدماء المورسكيين وفي مراحل أخرى بتقتيل أهل الريف، والعمل على إبادتهم الجماعية باستخدام أسلحة كانت في تعداد المحرمة.
اسبانيا الرسمية، لم تكن شجاعة للسعي للمصالحة، مع هذا التاريخ الدموي والديكتاتوري، ولم تكن في يوم من الأيام، قادرة على التعايش مع التاريخ المشترك الذي جمعها ولعقود من التاريخ ببلاد المغرب.
لقد أشرف جنرالاتها على إنزال العلم الاسباني من مدينة العيون، يوم ذهب المغاربة رجالا ونساء في مسيرة سلمية لتحرير هذا الجزء من التراب الوطني المغربي، ووقعت جلاءها عن الصحراء المغربية، لكن لم يطاوعها حنينها الاستعماري والامبريالي، لخدمة الأمن والسلام في هذا الشمال الافريقي.
فقضية زعيم البوليساريو المريض، عرت على كل الرهانات المغلوطة للإسبان الرسمي، وعلى الوجه الحقيقي للسياسة الاسبانية العلنية، حين يقدم قضاؤها الذي طالب برأس مجرم حرب، ولا يقوى على تحقيق العدالة، حيث تأكد اليوم أن ما شاع في الإعلام الإسباني على أن الحكومة الإسبانية بقيادة بيدرو سانشيز، قدمت ضمانة للجزائريين على أن لا تمس المساءلة إبراهيم غالي، الذي دخل متخفيا إلى ترابها وباسم مستعار، لكن خرج تحت فضيحة إعلامية كبرى، عرت الانحياز السافر للإسبان، على مرأى مسمع من القنوات الإعلامية الدولية والرأي العام الديمقراطي.
اسبانيا تركب جحودها كما جنونها، وتتنكر للأصوات المتعالية، تحت سمائها وأمام محكمتها، أصوات الذين وجهوا لهذا القضاء، شكايات وقدموا الدلائل على تعرضهم للتعذيب والقتل على يد كركوز لنظام عسكري إبراهيم غالي.
المحكمة الإسبانية العليا، رفضت طلب المدعي العام باحتجاز زعيم الجبهة، بدعوى أن رافعي التظلم، لم يقدموا أدلة لإدانة زعيم مليشيات عسكرية والذي لا يرابط سوى في الثكنات العسكرية، ويقوم بإخراس أصوات الناس في مخيمات الاحتجاز القسري بتندوف.
إن قرار هذا الإفراج لم يكن سوى قرارا سياسيا لإسبانيا، والتي لا يمكن اعتبارها سوى جزءا من أزمة عمرت طويلا، والتي لم تتراجع خلالها الدولة الإسبانية، عن مواقفها الداعمة والمنحازة لطروحات أصبحت اليوم متجاوز أمام المقترح المغربي والذي يتشبث بالحل السياسي المتفاوض بشأنه، على أساس الحكم الذاتي للصحراوين المغاربة ومنحهم صلاحيات واسعة في تدبير شؤونهم تحت السيادة الوطنية للمملكة المغربية.