الغاز الروسي بالروبل، هل تخضع اوروبا
عبد العزيز شبراط
في مقالاتنا السابقة على هذه المساحة المتميزة » المنظار » أشرنا بشكل مباشر أن هذه الازمة الروسية الأوكرانية، ليست بين روسيا وأوكرانيا، ولكن أوكرانيا هي فقط أداة لصراع الكبار، بين الغرب والقطب أخر في طور التشكل يضم الى الآن كل من روسيا والصين والهند، (وقد ينضم اليه أخرون)، كما قلنا سابقا أن روسيا هدفها الأساسي ليس احتلال أوكرانيا، وقلنا ان كان هدفها هو هذا لأحرقت الارض ومن عليها، ولكن روسيا هدفها أكبر من ذلك، وقلنا أيضا لا يجب الاستهانة بالدب الروسي وخصوصا أمام الضغط الاعلامي الغربي وما يتبعه من تضليل، وهناك من ذهب الى الاقرار أن روسيا ستنهار وأن أمريكا استدرجتها الى الدمار، لكن الرئيس بوتين كرر مرارا أن شروطه واضحة ومضبوطة ولن يتراجع دون تحقيقها.
اليوم اتخذت هذه الازمة منعطفا جديدا، بعد القرار الذي اتخذه بوتين مفاده أنه سيصدر الغاز الروسي الى الدول « غير الصديقة » بالروبل، والواضح طبعا بما أسماه بوتين بالدول « غير الصديقة » هي كامل الدول التي تشكل الاتحاد الاوروبي أي 27 دولة أوروبية، ولعل هذا القرار يكون ضربة قوية لأوروبا وضربة كبيرة للدولار، وهي خطوة ذكية جدا للرد على العقوبات التي فرضت على روسيا، بمعنى آخر أن روسيا، تقول لمن ترتبط معهم بعقود التوريدات، هي لن تقطع هذا التوريد ولكن أمام العقوبات لا تستطيع تلبية الطلب الا عبر الروبل، لأن كل أموالها وأصولها مجمدة، وبهذه الطريقة فلن تتعرض الى غرامات جراء عدم الالتزام بالعقود، وأيضا ستحل أزمة العقوبات، من سيتضرر إذن من هذا القرار؟
أكيد المتضرر الأول هو أوروبا، ولكن أيضا الدولار الامريكي، وللعلم فإن أمريكا كما يعلم الجميع لا تتوفر على ما يوازي الدولار من الذهب، وهذا سيكون أمرًا خطيرا طبعا على أمريكا وعلى الدولار، لكن يجب أن نعلم جميعا بعد هذا القرار الذي اتخذه بوتين، أننا أمام حرب عالمية ثالثة، حرب اقتصادية بامتياز، سيترتب عنها أزمة خطيرة قد تدوم طويلا، فأزمة الطاقة يستنتج عقبها أزمات أخرى ستشمل المواد الخام ثم تتوقف الصناعة ويتوقف الطعام أيضا، صحيح أن روسيا تضررت من هذه الازمة، ولكنها تملك أيضا أوراقًا قوية ستجعل هذا التحالف الغربي ينهار ويتدهور، وهو ما لاحظناه مباشرة بعد قرار بوتين، بدأت القرارات تتوالى: الرئيس الفرنسي صرح قائلا لا بد أن نفعل كل ما في وسعنا لوقف هذه الحرب دون التدخل فيها، وبعده مباشرة الحكومة الألمانية تؤكد لن نفرض عقوبات أخرى على روسيا.
أمريكا تستعطف المملكة العربية السعودية، والاخيرة تصم الأذان، جونسون يزور السعودية ويعود خاوي الوفاض، روسيا أوقفت بواخر القمح المتجهة الى أوروبا، يعلم الجميع أيضا أن الاتفاق المزمع بين قطر والمانيا حول الغاز لن يكون عمليا الا بعد ثماني أشهر على الأقل وهو أمر لن يحل الازمة، صحيح أن روسيا ستتضرر على المدى البعيد من هذا الاتفاق الالماني القطري، ولكن روسيا لها روافد أخرى عملت عليها في السنوات الأخيرة.
الفرصة اليوم أمام العرب، وخصوصا الدول النفطية وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، لتكون في ملعب الكبار، ولكن رغم ذلك، حتى ولو ضغطت أمريكا على دول الخليج للزيادة في الانتاج لحل المشكلة سيكون من المستحيل تعويض روسيا، وقد لاحظنا أيضا كيف بدأت أمريكا مغازلة ايران برفع الحرس الثوري عن قائمة الارهاب، من أجل بترولها!
ويبدو أن ما نلاحظه اليوم من تحولات سريعة على الساحة اليوم يشير أن الرأسمالية العالمية في ورطة كبيرة، لن تخرج منها بسهولة.
أوكرانيا أصبحت أمام ورطة كبيرة تجاوزت زيلينسكي، ولم يعد أمامه من مخرج حتى إن رغب في ذلك، لقد تجاوزه الأمر وتبين للجميع أنه كان ينفذ أوامر من الغرب أكبر منه، سيؤدي ثمنها المواطن الأكراني البسيط الذي سيدفع الثمن غاليا.