تكتونية حركات الشباب

تكتونية حركات الشباب
شارك

يونس وانعيمي

ما يحدث بإيران كان وسيكون دوما يسائلنا، كما أنظمة عربية إسلامية عدة:

أولا: لم يعد المجال سانحا لحكم الشباب العربي والمسلم بسلاح الدين المتطرف ونظام الملا أو نظام « الأخونجة ». هذه الأنظمة والأجندات المتحكمة التي سطرتها ووظبتها ونفذتها (نسبيا) أنظمة شبه سياسية كانت دوما تتربص بالسلطة، مستغلة الأمراض الديمقراطية بالأنظمة الحاكمة. لم يعد الشباب بدول شمال أفريقيا والشرق الأوسط والخليج العربي-الفارسي و الأناضول الجنوبي… يقبل أن يدنس ماضي أجداده بأحكام دينية قروسطية جاهزة مقززة، ولا أن يقتل حاضره ثم يرجأ مستقبله في اتجاه « آخرة » بلا حياة ولا حلم ولا حرية.

ثانيا: لم تعد تفيد في شيء كل مبررات تحييد أو تقويض هذا المد التحرري الشبابي حتى  تلك المبررات التي يتم تلوينها بنظرية المؤامرة وخطاباتها المتهالكة. الشباب بهذه الدول يعي أن من يتآمر عليه هو من يحكمه بالقوة وليس بالانتخاب، و يجثم على أنفاسه بكل المبررات وغاياتها. لم يعد شباب إيران يصدق رواية أن خروج أخواته وإخوانه إلى الشوارع لنزع البراقع وتنكيس أعلام « السلطة الدينية » هي فقط فوضى خلاقة نشبت بفعل تدخل امريكي أو غيره… لم يعد شباب إيران يثق في أن تدخلات البوليس الديني العنيف ومؤيديه و مريديه لقتل وسحل المواطنين المحتجين وسفك دماء النساء بمخافر « العار » هو فقط أمر شرعي خالص لحماية الإمامة والنظام. لم يعد الشباب بالعالم يثق في روايات العنف المبررة،  « لاستقرار » أنظمة متحكمة.

ثالثا، وهنا ربما سؤال يطوي نصف جواب: هل خروج شباب إيران وشباب العراق وتونس ومصر والمغرب والسعودية واليمن… هل هو خروج-وسيلة لوضع غايات مجتمعية مهيكلة بديلة بعناوين فلسفية وسياسية واضحة؟ أم ردود أفعال ثائرة بلا أجندات ثورية؟ البعض يقر بأن احتجاجات الشباب هي احتجاجات تنفسية مفيدة للأنظمة الشمولية التي تحتاج لإضرام قليل نار حتى يتم تنظيف الغابات من شوائبها. وبالتالي فهو تفسير يتوجه وجهة النظر لهذه القلاقل على أنها شغب مفتعل لتلطيف « الاختناق المروري الديمقراطي المؤقت » وأيضا لاستدراج تلك « الذئاب الفردية » والتعرف على مواقع ومبيدات ذلك الذباب المحرض المتخفي (في الجامعات ونوادي التواصل الاجتماعي وبؤر التحريض الانقلابي)…الحركات في نظر هذا التفسير هي في النهاية أداة لتعزيز السلطة وليس العكس.

لكن هناك طبعا وجهة نظر مقابلة تقر بوجود حركة بشرية تحررية « تكتونية » كامنة منذ القدم، فقط تتحرك ككرة ثلج تكبر وتتطور حسب سياقات التاريخ والاقتصاد. حيث أن ما وقع مثلا من تمرد بالمدينة المنورة إبان الخلافة الراشدة هو نفسه تقريبا  ما وقع بباريس إبان ثورة الجياع مع الأغنياء ضد الملك (الثورة الفرنسية) و هو نفسه ما وقع بساحة تيان-مان ببيكين ضد حزب ماوتسي تونغ… الأباطرة بالنسبة للشباب في التاريخ كانوا دوما « أنبياء مزيفين » لأنهم كانوا دوما يريدون أتباعا بلا معجزات… نفس التقاطعات تجعل حركات أخرى تتشابه، خصوصا ما وقع بالعالم بعد 2010 كربيع أوروبي وعربي وأسيوي…وبالتالي فلا شيء يضيع مع الثورة البشرية التاريخية بل فقط الكل يتحول (قانون لافوازييه في الفيزياء).

وطبعا هناك نظرة سريالية لكل ذلك، حيث الإنسانية تسير حثيثا لتوحيد أشياء كثيرة تم تفتيتها قديما بسبق إصرار وترصد: التوجه نحو تقليص عدد البشر (مؤامرة المليار الذهبي) وتقويض الديانات وتبديلها ببديل جديد موحد للقيم (البنائية الماسونية) وتوحيد نظام المال والاقتصاد (العولمة المالية وتوحيد عملات التداول) وتوحيد التواصل واللغة (الإنجليزية والرقمنة، ووسائل التواصل الاجتماعي)….وهذه النظرة لا تكتفي برؤية ما يحدث من ثورات وقلاقل في الدول بشكل منعزل بل تنظر لها « كدالة رياضية » fonction numérique تتجه منحدرة وبشكل حثيث نحو مونوليثية (توحيدية) لا تلعب فيها الثورات سوى دورا أداتيا يشبه الحرق والحرث.

بقي أن أختم هذا الباراديغم المعقد بتوصية تواصلية بسيطة. ما وقع بفرنسا أسموه  » حركة السترات الصفراء » وما وقع بألمانيا أسموه « بالسترات الحمراء » وما وقع بمصر أسموه  » حركة ساحة رابعة » وأسموا ما وقع بالمغرب ب  » احداث الريف » … التسميات دوما ما تقتنص فرصة تحويل شيء شمولي هيكلي لأمر مرحلي عابر عارض. في المغرب مثلا، تطبخ في نوادي السياسة والإعلام خطط ومناهج لتسمية ما حدث منذ 2010 على الأقل ب : أحداث الريف- أحداث أكديم أزديك- وقبلها أحداث فاس…. وهي خطط تلعب بتمثلنا الذهني للثورة  لتجعلنا نحصر « حركات شبابية هيكلية شاملة بقواسم مشتركة » لوضعها في زمكان  » تحديدي » قابل للخسف. الشباب المغربي ليس فرق كرة قدم حتى نطلق عليه توصيفات ( شباب الريف أو شباب العيون أو شباب المحمدية والناضور….) بل هو شباب لا ينتظر افتتاح دوريات وبطولات لكي يشارك ثم يقصى… الشباب حتى وهو هائم متوهم، هو لا ينسى لذلك فكل نربح ان أعطيناه الفرصة.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *