مخاطر غياب عقيدة الدولة في الحفاظ الدائم على توازناتها بالديمقراطية

مخاطر غياب عقيدة الدولة في الحفاظ الدائم على توازناتها بالديمقراطية
شارك

يونس وانعيمي

وانا اشاهد منذ يومين بعض الوثائقيات التاريخية حول حرب لبنان، تتبعت أحداثا درامية متتابعة ومدمرة: مقتل البشير جميل وابنته – حرب الكتائب ومذابح صبرا وشاتيلا -اتفاق الطائف الملغوم- مقتل رفيق الحريري (كنت ببيروت يوم اغتياله) – نشوب حرب  2006 بين اسرائيل وحزب الله ثم حرائق صيدا واغتيال كبار الصحفيين من غسان التويني وسمير قصير… وأزمة الليرة وانفجار مرفأ بيروت ….

قلت مع نفسي، لننظر لهذا البلد الجميل وكم تقاذفته المصالح الخارجية وكم أكله الفساد السياسي الداخلي (بين تيارات مصلحية يقودها ميشيل عون و سمير جعجع ووليد جمبلاط ونبيه بري و سعد الحريري وحسن نصر الله….)

لذا فكل بلد، حتى مع اختلاف السياقات والخصوصيات، يمكن أن يصبح لبنانا ويمرض مرضه libanisation وذلك من وقع ترهل شراكاتنا الخارجية و عدم العمل على استدامتها، وأيضا أمام ارتهال مؤسساتنا السياسية وفسادها

لا أحد من زعماء وقادة لبنان ونخبه له خطة طريق واضحة لإنقاذه. اليوم تأكله إيران وإسرائيل من الجنوب وتنتقم منه سوريا من الشرق وتستبيح تركيا وقبرص مياهه وثرواته من الغرب بعدما تخلت عنه السعودية وفرنسا… ولا أحد يعلم إلى ماذا ستفضي الكارثة من واقع ووقائع؟

جل اللبنانيين اليوم يأكلون من القمامات، ولا يجدوا أنوارا يستضيؤون بها ولا ماء يشربوه ويغتسلوا به. وزادت نسبة الهجرة السرية في قوارب الموت نحو قبرص واليونان (وللعلم فهي أخطر من قواربنا الهاربة نحو اسبانيا). ووصل التضخم لنسب مهولة حيث تلزمك آلاف الليرات لصرف دولار واحد ولم يعد يقدر اللبناني على استخراج مدخراته البنكية الا وهو يهجم هجوما انتحاريا بالسلاح على الوكالات. وماتت السياحة بشكل مطلق وفر كل الفنانين للخارج أما من بقي ببيروت فتحول لمتسلح منضم لميليشيات…وفرغ حي السوليدير والاشرفية  ببيروت ومدينة جنيه من كل مطاعمها ونواديها وحاناتها وتحولت مغارات جنين لمرتع قطاع الطرق وتحول شاطئ الروشة لمرتع المتشردين….

لبنان كانت تراهن على موقع استراتيجي تحول لفوهة بركان. وكانت تعول على شراكات خليجية استباحت نساءها وسحبت أموالها وذهبت. لبنان عولت على فرنسا فصدمتها انتهازية هذا الشريك الذي توجه لسوريا يبحث عن غازها ونفطها. لبنان عولت على تشعب وكثرة احزابها ولم تكن تعلم أنها وحيدة وسط ميليشيات مسلحة تستبطن البنادق وتتنافر حول الضيعات والأراضي والمساكن والمصانع لتحولها لأصول تجارية-سياسية حتى تحول كل حزب لدولة في حذ ذاتها (تماهيا بما فعله حزب الله). لبنان عول على تعايش المسيحيين والسنيين والشيعة فتحول إلى ثلاثة أشلاء إثنية يأكل بعضها الآخر.

لبنان درس وموعظة  لنا جميعا… فلا شيء له قيمته في حذ ذاته ولا شيىء يضمن استدامة من تلقاء نفسه: لا الموقع الجيوسياسي ولا المقومات السياحية والحضارية ولا كثرة الشراكات الخارجية ولا كثرة الأحزاب والجمعيات….كل هذه المقومات مهمة لكنها تنقلب لعبوة ناسفة إن غابت عقيدة الدولة في الحفاظ الدائم على توازناتها بالديمقراطية والتنمية المستمرة والحذرة.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *