تكتل غير قابل للحياة

تكتل غير قابل للحياة
شارك

د خالد فتحي

لا يمكنك بتاتا أن تعلن مشروعا وحدويا تنقض فيه الفكرة الوحدوية نقضا، ثم تتوقع  أن يكون ناجحا وجاذبا للأطراف الاخرى، إلا في حالة واحدة؛ هي أن تكون  أنت هو النظام الجزائري بشحمه ولحمه.

هذا السياق هو  بالضبط  ذاك الشيطان الذي لا يكمن ،و إنما ينتصب فاضحا بأقصى ماتكون الفضيحة المبادرة الجزائرية الغريبة والسمجة  ، التي « تتمنى »  أن تبني تكتلا مغاربيا تريد أن يغيب  عنه ركنه الأساسي الذي هو المغرب .

وهذا المشروع الجزائري التفكيكي لللحمة المغاربية ، الذي افتر عنه جنون النظام هناك ، هو أيضا بهذا المعنى  ليس إلا عينة لتلك النوعية من  المشروعات الغبية التي اعتدنا أن نصفها في علم التحليل السياسي بالمشروعات التي تولد ميتة .

هو تجسيد  آخر إذن لسوء نية النظام الجزائري. ما في ذلك شك، لكنها فوق ذلك ليست هذه المرة  بسوء  النية التي تتمخض عن الحسد  والعداء المجاني و الغدر المبيت  فقط ،وإنما  هي سوء  النية التي تكشف أيضا عن  بلادة  جيوستراتيجية لانظير لها ،و تهافت مثير للإشفاق.

ستتوه الجزائر كثيرا، و ستتعب و تشقى أكثر من أجل هذا المشروع المارق ،ثم ستعود في النهاية منه بخفي حنين راضية من الغنيمة بالإياب كما قال امرء القبس بعد أن طاف بالآفاق شريدا ضليلا .

الكل يعرف أن لا وحدة مغاربية بدون المغرب؛ معطيات التاريخ ، وحقائق الحاضر، وآمال المستقبل، كلها تقول ذلك .ولن أفصل أكثر ، فالنهار كما يقال لا يحتاج لدليل  .يكفي أن ننتبه أنه لم يكن من قبيل العبث حمل الاتحاد المغاربي منذ سك المفهوم اسم المغرب العربي الكبير .

فالمملكة المغربية هي بؤرة العبقرية في الغربين العربي والإسلامي عبر التاريخ ،و إعلان الاتحاد المغاربي نفسه  قد كان من مراكش، التي كانت ولقرون طويلة عاصمة شمال افريقيا .

هذه البدعة إنما هي إحدى الضلالات الجديدة للنظام الجزائرية. هي برهان إضافي أن الجزائر الرسمية تعاني من هوس إنشاء الكيانات الوهمية ؛ فمن الجمهورية الصحراوية الموهومة التي كلفت المواطن المغاربي نصف قرن من التشرذم والفرقة والصراع ،ها هي تحاول أن  تختلق مغربا عربيا متوهما من بنات خيال العسكر،هو بدوره غير قابل  للحياة .إنها بهذه البدعة الوحدوية تطارد طواحين الهواء،وهذا رأي الجزائريين قبل أن يكون رأي باقي المغاربيين. ومع ذلك، فمادعا إليه تبون يستدعي منا تحليلا للحالة… تحليلا نكاد نقول فيه « شفقة » عليه ،إن الدعوة في أحد أوجهها تعبير لاواعي عن شعور طافح  بالذنب في حق المواطن المغاربي الذي لم يعد سرا على شعوبه ونخبه كون قصر المرادية هو من  أقبر حلمها الوحدوي ، منذ أن سعى لتمزيق الوحدة الترابية لدولة جارة لايمكن بناء أي اتحاد بدونها . ولكنه شعور للأسف لم يرق بصاحبه لحد ممارسة النقد الذاتي واستعادة البصيرة ، بل دفعه لتوريط المنطقة في متاهات أخرى هي في غنى عنها،  متاهات ستكلفها سنينا أو عقود إضافية من التمزق والاحتقان وضياع الفرص الثمينة.

 بهذه الشطحات غير المحسوبة تعلن الجزائر الرسمية  انها الحجرة  الوعثاء التي في حذاء المغرب الكبير ، وأنها  صارت النظام  الوظيفي الذي  يستكمل به الاستعمار القديم مخططاته بشمال افريقيا ،الحرية التي تستدير لطعن أشقائها.

يريد نظام الجزائر بمخططه المشبوه أن يورط بعض الدول المغاربية في حمل كاذب أو في حمل بجنين عديم الدماغ سيموت حتما إما قبل أو حين لحظة الولادة على أبعد تقدير. فأي اجتماعات يغيب عنها المغرب لن تكون إلا عصفا مأكولا وسوى حرث في الماء. اذ، لا يمكن بتاتا أن تنجح مبادرة تقول إنها وحديوية، ويعلم الجميع بما فيه ذلك الداعي لها أن خلفيتها ترسيخ  الفرقة  والصراع .فالجزائر فيما تقترحه، لا تزيد عن أن  ترقص رقصات ماجنة على جراح تونس الاقتصادية والاجتماعية، وأدواء ليبيا الأمنية والسيادية، هي لم تهب لنجدتهما كما تحتم ذلك الوشائج الوثيقة،  وإنما تسعى لجعلهما مجرد  تابعين لها يسيران في ركابها من أجل مشروع ملعون ترفضه الجماهير المغاربية غايته محاصرة المغرب .

وهذا في رأيي انعكاس لمس الطيش والنزق الذي  صار يزين لهذا النظام ( في تفاقم خطير لحالته)، استغلال أوضاع بلدين شقيقين في مخططات أنانية ومشبوهة لاعلاقة لها بتاتا بالوحدة المفترى عليها .

 الكل يدرك ،سواء في تونس ،أو طرابلس ،او نواكشوط، أو حتى في الجزائر نفسها،  أن لوكان  النظام الجزائري صادقا ،لبدأ بقبول الدعوة التي وجهها له جلالة الملك إلى ركن الخلافات جانبا ، وجعل البناء الاقتصادي أساسا لإرساء الوحدة السياسية ،زد على ذلك أن لاشرعية وحدوية للجزائر وهي ترعى مشروعا انفصاليا خاسرا . وأفدح منه  أنها لا تنتبه لهذا الفشل ولا تعالجه. فمن ياتراه يسلم قياده للغافلين الذين لا يفقهون التحولات العالمية الجارية؟ الذين جعلوا بوصلتهم معاناة المغرب لا تحقيق مصالح الجزائريين.

هذه هي الصورة القبيحة جدا التي تنزع المصداقية عن أي مبادرة وحدوية للنظام الجزائري .ذلك أن من يفتقد الخصال الوحدوية لا يمكنه أبدا أن يكون عرابا  لوحدة . و حتى إن دعا لها، فلن يلتحق به أحد، لأن مصيرها معروف مسبقا ،ألى وهو  الإخفاق  الذريع ،أو بالأحرى تعرضها للإجهاض التلقائي نظرا للتشوهات التي تحملها .

قد صار تخصص نظام الجزائر الآن أن يأزم ويفرق . تلك خليقته التي لم تعد تنطلي  على أحد. وقديما قد قال الشاعر : ومهما تكن عند امرئ من خليقة ،وإن خالها تخفى على الناس تعلم .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *