سقوط جدار برلين العربي
مشبال أمين
ما تعيشه منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة من أحداث متلاحقة وتحولات بارزة لا تقل في أبعادها ونتائجها عن تلك المرتبطة بسقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989، الذي شكل محطة فارقة في التاريخ المعاصر تمثلت في بداية تفكك الاتحاد السوفياتي، وسقوط الأنظمة المرتبطة به في أوروبا الشرقية، (بولندا، المجر، تشيكوسلوفاكيا)، ونهاية الحرب الباردة، ونشوء نظام عالمي أحادي القطبية تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد ظل سقوط نظام آل الأسد بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين بمثابة الحلقة المفقودة أو الفصل الأخير من مسلسل درامي وتشويق سياسي أطلق عليه كعنوان « الربيع العربي ». خلال الجزء الأول من ذلك المسلسل شهدت سوريا موجة عارمة من الاحتجاجات السلمية المطالبة بإصلاح النظام السياسي، بيد أن القمع الشرس الذي ووجهت به، مع انسداد الأفق السياسي، أفسح الطريق لالتقاء مصالح قوى أجنبية ذات مصالح وأجندات مختلفة (تركيا، قطر، جماعات تكفيرية، الولايات المتحدة الأمريكية…الخ)، فأصبح هدفها المشترك إسقاط نظام بشار الأسد، بيد أن التدخل الفعال للطيران الروسي، ومقاتلي حزب الله المدعوم ماديا ولوجستيكيا من طرف طهران غير موازين القوى ومنح للنظام إمكانية الاستمرار والبقاء على قيد الحياة.
وجاء السابع من أكتوبر ليضرم حريقا التهم الأخضر واليابس في غزة قبل أن يمتد إلى لبنان ثم سوريا، ولا يمكن لحد الساعة التنبؤ بمتى وأين وكيف ستكون مخلفاته ونتائجه النهائية.
ما هو أكيد أن حماس ولا حزب الله سيظلان بنفس الوزن السياسي والعسكري الذي كانا عليه من قبل، خصوصا بعد سقوط نظام الأسد الذي كان يمثل بالإضافة الى الداعم السياسي في لبنان، شريان الحياة لحزب الله (طريق الإمدادات العسكرية).
من جهة ثانية، سيضطر النظام الإيراني قصد للحفاظ على وجوده (في ظل موازين قوى غير متكافئة مع إسرائيل وأمريكا) اللجوء إلى طريق المفاوضات والتسويات مع « الشيطان الأكبر »، خصوصا وأن استراتيجية الأذرع الشيعية الموالية سقطت مع انهيار « وحدة الساحات »، ولفظت أنفاسها الأخيرة مع رحيل بشار الأسد.
أخيرا، فقد كان من شأن الهزة الارتدادية لرحيل الأسد أن جعلت مليشيات تنهل من مرجعيات « الفريضة الغائبة » و »إدارة التوحش » و »معالم في الطريق »، تحلق اللحي وتخلع اللباس الأفغاني، وترصع كلامها بمفاهيم دخيلة عن معجمها الأصيل والأصلي، لكن ذلك لن يعفينا من التساؤل إلى متى ستحتفظ بتلك الصورة الملونة والمخادعة في آن قبل أن تبحث لنفسها عن « غزوات » و »فتوحات » جديدة؟