تبونيات القوة الضاربة بالقمة الإفريقية

بقلم: بوشعيب حمراوي
كثر النقاش والتحليل والتهليل حول ما أفرزته نتائج التصويت عن الرئيس الجديد للاتحاد الإفريقي ونائبته بالعاصمة الأثيوبية. نتائج لم تكن مفاجئة لأهل السياسة ومهندسي الدبلوماسية الإفريقية. ولم تكن مخيبة لأمال المغاربة كما يراها البعض. كما أنها لم تكن نتاج عشوائية أو انبطاح بالمفهوم القدحي لطرف ما. حتى ولو أن (القوة الضاربة) نزلت بكل ثقلها. برئيسها عبد المجيد تبون. ومخطط (تبونيات)، الذي فضحه ضجيج السماسرة ورنين المال العالي وسيلان الغاز والنفط الذي كان حاضرا بخريره ورائحته الكريهة في الرفوف وداخل غرف الفنادق.
أن يفوز وزير خارجية دولة تعترف بمغربية الصحراء، ولها قنصلية بمدينة الداخلة، برئاسة الاتحاد الإفريقي لولاية عمرها أربع سنوات قابلة التجديد. وأن يتحصل محمود علي يوسف وزير خارجية تجيبوتي على 33 صوت من أصل 55 مع (إضافة صوت جمهورية الوهم). فهذا يعتبر انتصار كبير للدبلوماسية المغربية. لا يمكن لأي كان تجاهله. بالنظر إلى قوة هذا المنصب والمهام الموكولة إليه داخل المفوضية الإفريقية. فهو الرئيس التنفيذي والممثل القانوني للاتحاد الإفريقي والمسؤول الرئيسي عن المحاسبة في المفوضية.
بالمقابل فإن فوز مرشحة الجزائر بمنصب (النيابة)، الذي بني على التوسل والتسول بعدما لم تفلح لغة المال في انتزاع الرئاسة. اعتبره شخصيا بمثابة منصب المجاملة الذي منح للجزائر، على مضض بالنظر إلى مسار المنافسة مع مرشحي المغرب ومصر. حتى لا يصاب النظام الجزائري ب داء (السعار)، وتتسع رقعة حقده لتشمل دول أخرى هي في حاجة ماسة إلى دعم الجزائر لها بالمال والغاز والنفط.
منصب (النيابة) لن يغطي فشل الدبلوماسية الجزائرية. لأن نائبة الرئيس لا يمكنها اتخاذ قرارات إستراتيجية أو سياسية كيف ما كان نوعها، بدون موافقة رئيس المفوضية. بمعنى أن سلطتها ليست مستقلة، بل خاضعة لسلطة الرئيس. كما أنها تملك بعض الصلاحيات في المجالات الإدارية والمالية، تتعلق بالتدبير الإداري داخل المفوضية. ترعى وتراقب شؤون الموظفين وإدارة الميزانية وفق منهج إداري ومالي مخطط له مسبقا. كما يمكنها أن تنوب عن الرئيس من أجل تنفيذ قرارات أو حضور لقاءات بتزكية مسبقة من الرئيس. وطبعا يمكنها اتخاذ قرارات عاجلة في أمور مستعجلة، عند الغياب المفاجئ للرئيس. أما القرارات السياسية الكبرى والمبادرات الجديدة، فإنها تطبخ على نيران هادئة من طرف المجلس التنفيذي أو قمة الاتحاد الإفريقي، ويقودها الرئيس.
ماذا حققت الجزائر بترأسها شهر يناير 2025 مجلس الأمن الذي بيده ملف الصحراء المغربية ولا في ملف القضية الفلسطينية؟
وماذا حققت الجزائر بفرض عضوية جمهورية الوهم داخل الاتحاد الإفريقي منذ عقود خلت؟ وما مدى تأثير هذا الكيان الوهمي داخل المنظومة الإفريقية، إذا استثنيا الحضور والتقاط الصور والتصافح والتصفيق؟ ؟؟..
كلما زاد حمق وحقد النظام العسكري الجزائري، اتجاه المغرب والمغاربة. كلما زاد أسفنا وحسرتنا على الأشقاء الجزائريين الذين لا حول ولا قوة لهم فيما يجري ويدور. يتابعون عبر منابر إعلامية مأجورة وصفحات وقنوات مواقع التواصل الاجتماعية مفبركة. أمجاد الوهم وانتصارات مزيفة لنظام اختار إنفاق أموال وثروات الجزائريين على جمهورية لا توجد إلا في مخيلته. يحتضنها داخل أراضيه منذ حوالي نصف قرن. يمدها بكل حاجياتها في التغذية والصحة والسلاح.
طبعا لن نحزن لأن هناك دول صوتت ضد الرئيس المنتخب، أو تلك التي صوتت من أجل فوز المرشحة الجزائرية بمنصب النيابة. لأننا نعلم أن الإكراهات والضغوطات التي تعرفها أنظمة تلك الدول والتي تفرض عليها الخضوع أو الخنوع أو اتخاذ مواقف وسطية. نعلم أن المصالح والمكاسب تحدد وحدها العلاقات بين أنظمة الدول. وأن التوافقات والتحالفات والولاءات تبنى على درجات ومستويات تلك الروابط المصلحية. وبناء عليها تبرم أو تلغى الاتفاقات والتعاقدات. لا مجال فيها للمبادئ والديمقراطية. لا مكان فيها للأخلاق المهنية أو العقائدية، ولا للتعاطف والتقدير للإنسانية. مصالح تحكمها الٍأرباح والخسائر. تحيي بانتعاش العملات والبورصات وتسقط بسقوطها. مصالح قد تكون في خدمة الشعوب وتنفيذا لوعود سياسية صرفة. وقد تكون في خدمة قيادات ولوبيات تعمل بشكل شخصي أو خدمة لأجندات خفية، تديرها بواسطة أجهزة تحكم عن بعد (التيليكوموند). كما يفعل نظام الدولة الشقيقة، الذي أدار ظهره للشعب. واختار التسويق للعداء مع المغرب. فكانت النتيجة إفقار شعب يمتلك ثروات طبيعية ربانية تؤهله لكي يكون من أرقى الشعوب.
لسوء حظ المغرب الذي تمكن من تحرير صحراءه منتصف سبعينيات القرن الماضي، بدون أدنى نزيف دموي. أن دولا عدة انساقت نحو خلف الأطروحة الانفصالية الجزائرية. انحازت عن جهل أو (تعمد) إلى الاعتراف بالكيان الوهمي (البوليساريو). حيث بلغ عددها 70 دولة. دول قبلت أنظمتها بالغاز والنفط الجزائري والليبي والإيراني وغيره مقابل الاعتراف بالبوليساريو. ودول عاشت في حوض الاشتراكية وتغذت بالحرب الباردة، فقبلت بدعم يغدق عليها بالمال والسلاح، وحملت شعار (ارتاح ارتاح سنواصل وهم الكفاح). يضاف إليها الانسحاب المتسرع للمغرب من المنظمة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) سنة 1984، بعد قبول الأخيرة بعضوية البوليساريو.
وبما أنه لا يصح إلا الصحيح. وأن الحق لا شك غالب، طال الزمن أو قصر. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الحرب الباردة، وقلت الرشاوي، غيرت الكثير من الأنظمة من جلدها المتعفن بتغيير أنظمتها أو بمعرفتها لحقيقة الأمور. معظم تلك الدول كشفت حقيقة ملف الصحراء المفبرك. وبدأت تسحب اعترافاتها بجمهورية الوهم. وتقلص العدد إلى أقل من 30 دولة. وهي دول تعلم أنظمتها بأحقية المغرب في صحرائه إلا أنها لازالت تحت رحمة الطمع المالي والعداء المجاني. كما أنه بعودة المغرب إلى حضن المنظمة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي). انكشفت المؤامرة الجزائرية. واتضح جليا حقد النظام الجزائري الدفين اتجاه المغاربة. فعندما تولى الملك محمد السادس زمام الأمور تغيرت سياسة الدولة على المستويين الداخلي والخارجي. جهوية موسعة مع اقتصاد متنوع داخلي، وإدماج المناطق الجنوبية والشمالية في التنمية البشرية. والسعي لجعل الجنوب قطبا ماليا واقتصاديا دوليا إلى جانب قطبي الوسط والشمال. ليزيد من البنيان الاقتصادي للمغرب. على المستوى الخارجي نهج المغرب بقيادة ملكية مباشرة، سياسة رابح رابح، بإحداث استثمارات حقيقية في البلدان الإفريقية وتعزيز التعاون الاقتصادي معها. المغرب الآن يعتبر أول دولة افريقية مستثمرة في إفريقيا والخامسة عالميا. مخططات المغرب الخارجية في عهد الملك السادس، وانفتاحه الإفريقي وعلى صعيد باقي القارات، عزلت الشقيقة الجزائر. ولعل ما زاد من تقزيم أوهام الجبهة وصنيعتها الجزائر. ردود أنظمة مجموعة من الدول، التي لم تكتفي بسحب الاعراف بكيان لا وجود له. بل سارعت إلى إحداث قنصليات بمدينتي العيون والداخلة. وهي رسائل واضحة، تؤكد استعدادها لدعم وحدة المغرب الترابية، وإعطائها الانطلاقة للاستثمار بتراب الصحراء المغربية.
بعد الاعتراف الأمريكي، انتزع المغرب بقوة دبلوماسيته اعترافي اسبانيا وفرنسا.. وطبعا هذا ما زاد من عزلة النظام الجزائري الذي رمى بكل ثقله من أجل الخروج بمقعد النيابة. واغتنام الفرصة من أجل الاحتفال والتهليل. والخروج على النص بترويج المغالطات والإشاعات وصلت إلى حد الإعلان الكاذب عن وفاة الملك محمد السادس، وإقالة وزير الخارجية ناصر بوريطة. واتهام المغرب بدفع رشاوي هو من كان يوزعها هنا وهناك من أجل كسب ود ممثلي الدول الإفريقية.
على المغاربة أن يدركوا أنه لا يمكن أن نؤثث لتنمية حقيقية بدون موارد بشرية مغربية. وأن التحالف والتماسك الوطني هو السبيل الوحيد لفرض تواجد المغرب عربيا، إفريقيا ودوليا. وعليهم أن يدركوا أن النضال الحقيقي من أجل تحقيق المطالب وإنصاف المظلومين، لن يتم بالبحث عن دعم وتضامن الأجانب. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتجاوز الاحتجاج والتفاوض والترافع السلمي. وأن كل من يغرد خارج دستور البلاد. يكون بصدد خدمة أجندات خارجية عن جهل أو عن إدراك.