حزب التقدم والاشتراكية: فقدان المصداقية وكيفية استرجاعها

محمد خوخشاني: قيادي سابق في حزب التقدم والاشتراكية.
■ الوضع الحالي:
يعيش حزب التقدم والاشتراكية أزمة فقدان المصداقية لدى جل مناضليه الشرفاء ولدى السواد الأعظم لناخبيه بل حتى عند أغلبية المتعاطفين معه سابقا، على غرار جزء كبير من مكونات المشهد الحزبي التقدمي.
يمكن تلخيص فقدان الحزب لجزء من مصداقيته في مجموعة من الأسباب والعوامل المتداخلة:
- التحولات التاريخية والسياسية
- الحزب انطلق كامتداد للحزب الشيوعي المغربي، أي بمرجعية ثورية ويسارية صلبة.
- مع مرور الزمن، ونظرا لاختياره الانفتاح والمشاركة المتواصلة في الحكومات، فقد الحزب جزءاً من صورته « المعارضة الجذرية ».
- التنازلات التي قدمها في سبيل البقاء داخل النسق جعلت الكثير من قواعده تعتبره أقرب إلى « حزب إداري » منه إلى حزب يساري تقدمي.
- المشاركة الحكومية الطويلة
- الحزب شارك في حكومات متتالية تحت رئاسة عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو وعباس الفاسي وعبدا لإله بنكيران إلى جانب أخنوش ووجوه ليبرالية أخرى.
رغم توليه حقائب مهمة (الصحة، السكنى، الثقافة، البيئة…) إلا أن حصيلته لم تُحدث فرقاً اجتماعياً ملموساً.
المواطن البسيط لا يربط الحزب بإنجازات كبرى، بل يراه مجرد « مشارك صامت » في تدبير لا يغير كثيراً.
- غياب الخطاب اليساري الجذري
- تراجعت نبرة الحزب في الدفاع عن قضايا العدالة الاجتماعية، مجانية التعليم، مجانية الصحة…
- خطابه أصبح معتدلاً أكثر مما تحتمله هويته الأصلية، مما جعل جزءاً من الشباب اليساري يراه مهادناً ومتصالحاً مع السلطة ومعاديا لذاته.
- أزمة داخلية في التنظيم
- ضعف التعبئة القاعدية والشبيبة الحزبية.
قلة الوجوه الجديدة الجذابة، مما جعل الحزب يظهر وكأنه يعتمد على نفس القيادات منذ عقود.
- تضييق الهامش أمام تيارات داخلية ناقدة، مما أدى إلى انسحابات متكررة.
- تحولات المشهد السياسي المغربي
- ضعف ثقة عامة المواطنين في الأحزاب ككل، وليس في حزب التقدم والاشتراكية فقط.
- بروز حركة 20 فبراير، ثم الحركات الاجتماعية (الريف، جرادة، الأساتذة المتعاقدون، الخ…) جعلت الشباب يبحث عن بدائل خارج الأحزاب.
في هذا السياق، بدا حزب التقدم والاشتراكية غير قادر على « مواكبة نبض الشارع ».
- مفارقة البقاء
رغم كل هذا، حزب التقدم والاشتراكية لم يختفِ بعد. وهذا راجع للأسباب الثلاثة التالية:
- شبكته التنظيمية التاريخية.
- حضوره المستمر في الحكومة (مما يوفر له الموارد).
- صورة « اليسار العاقل » التي تروق لبعض الفئات.
الخلاصة:
فقدان حزب التقدم والاشتراكية لمصداقيته يعود أساساً إلى التناقض بين خطابه اليساري التاريخي وممارساته الواقعية أثناء مشاركته في السلطة.
فهو لم يعد بالنسبة للعديد من المغاربة حزباً معارضاً حقيقياً، ولا حزباً حاكماً ناجحاً، بل مجرد « شريك دائم في النسق » دون قدرة على إحداث تغيير ملموس.
■ السيناريوهات المستقبلية الممكنة والمحتملة لمسار حزب التقدم والاشتراكية في ظل وضعه الحالي:
- 1. التجديد الداخلي والبقاء كحزب يساري مؤثر
يقوم الحزب بمراجعة عميقة لخطابه، ويعود إلى جذوره الاجتماعية واليسارية.
ضخ دماء جديدة من الشباب والنساء، مع الانفتاح على الحركات الاجتماعية.
- التركيز على قضايا آنية: التعليم، الصحة، البطالة، غلاء المعيشة.
هذا السيناريو سيعيد له جزءاً من المصداقية، ويجعله شريكاً أساسياً للمعارضة الجادة.
- 2. التحالف أو الاندماج مع قوى يسارية أخرى
الحزب قد يدخل في جبهة يسارية موحدة مع أحزاب مثل فدرالية اليسار الديمقراطي أو بقية الأحزاب اليسارية الصغيرة.
هذا سيمكنه من استعادة وزن انتخابي وشعبي أكبر، بدل التشتت.
لكن صعوبة هذا السيناريو تكمن في اختلاف الزعامات وغياب ثقافة العمل الوحدوي.
- 3. الاستمرار كحزب صغير مشارك في السلطة
يواصل نهجه الحالي: حضور دائم في الحكومات، بوزراء « تكنوقراط بغطاء حزبي ».
يحتفظ بمقاعد محدودة في البرلمان بفضل شبكاته التقليدية.
هذا السيناريو يضمن بقاء حزب التقدم والاشتراكية داخل المشهد السياسي، لكنه يعمّق أزمة المصداقية ويجعله مجرد « ملحق إداري ».
- 4. التراجع التدريجي نحو التلاشي
في حال عجزه عن تجديد هياكله أو استقطاب قواعد جديدة، سيتحول الحزب إلى كيان شكلي بلا تأثير سياسي حقيقي.
مع مرور الوقت قد يفقد مقاعده البرلمانية لصالح أحزاب صاعدة (إسلامية، يسارية جديدة، أو حتى إدارية).
هذا المصير عاشته عدة أحزاب يسارية في المغرب، وهو خطر حقيقي يواجهه حزب التقدم والاشتراكية.
- 5. التحول إلى حزب مدني/حقوقي أكثر من سياسي
قد يختار الحزب التركيز على القضايا المجتمعية (البيئة، الثقافة، الصحة، حقوق المرأة…) بدل الصراع السياسي المباشر.
يصبح أشبه بـ »قوة اقتراحية » تراهن على دورها الفكري والحقوقي.
هذا يضمن له البقاء كفاعل معنوي، لكنه يضعف وزنه الانتخابي.
الخلاصة:
أقوى سيناريوهين هما: إما تجديد داخلي جذري ينعش صورته اليسارية، أو الاستمرار كحزب صغير مشارك في النسق.
مستقبل الحزب سيتحدد بشكل كبير مع انتخابات 2026: فإذا لم يستطع تحسين نتائجه والظهور كقوة يسارية حقيقية، فإنه مهدد بالتراجع التدريجي.