لماذا آراء العرب ومواقفهم لا تستقر؟
عبد العزيز شبراط
كثيرة هي القرارات العربية التي لا تدوم ولا تستقر، وبعضها يتغير بين ليلة وأخرى، و كأن معظمها يتخذ في حالة انفعال أو ردة فعل، لماذا نجد مثل هذه التراجعات السريعة عن القرارات فقط بين العرب وإخوانهم، الى درجة تجعلك تعتقد أن العرب لا يصنعون قراراتهم بأنفسهم، فقط يتم إفتائها عليهم، ألسنا جديرين لنكون في مستوى احترام قراراتنا؟ أليس لنا من القدرة والجرأة والشجاعة أن لا نتخذ إلا القرارات التي نستطيع الالتزام بها ولا نتراجع عنها؟
هل قراراتنا تصنع خارج عقولنا؟ أم أن عقولنا هي التي أصبحت عاجزة على دراسة قراراتنا قبل انتاجها؟ غير أن هذا الأمر يحدث فقط بين العرب، أما القرارات التي تتخذ بين العرب وغيرهم من قادة العالم، يتم احترامها بالحرف، وإن حدث وتم التراجع عنها، فهذا يعني أنها لم تعد تخدم مصلحة الطرف الأجنبي، لكن التراجع عنها بين العرب والعرب تتم فقط بشكل اعتباطي، حتى وإن كانت لا تمس بمصلحة أي من الاطراف أو الطرفين، يكفي أن يصرح أحد الاطراف بما لا يحترم الطرف الأخر، لينفعل الاخر ويتراجع عن القرار من جانب واحد.
أليس للعرب مستقبل مشترك؟
لو استطاع العرب احترام بعضهم البعض و تقوية عناصر التلاحم عوض تقويضها، لكانت اجتماعات جامعة الدول العربية تحدث الفزع في نفوس العديد من الدول وتربك حساباتهم، ولكنها اليوم تفتقد الوزن الدولي، ولا أحد يشعر أو يحس باجتماعاتها، ولا أحد ينتظر ما تسفر عن اجتماعاتها من نتائج، كما لا أحد ينتظر بياناتها الختامية أو يحسب لها بعض الحسابات!
إنهم يبدعون فقط في كل ما يساهم في تفريقهم وإضعافهم، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه، أمام الدول الأخرى التي تتخذ من هذا التشتت فرصة للاستفراد بكل دولة عربية على حدى وتفعل فيها ما تشاء، ولسنا هنا في حاجة لتقديم أمثلة للتوضيح، فالأمر واضح و بيِّنٍ للجميع، ولا يحتاج الى مجهود لملاحظته، ولكن رغم ذلك سنروي هنا مثالا حدث في الأيام القليلة الماضية، حينما زار المغرب وفدا من حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية، بادر محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الى مهاتفة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وقدم له التهاني بنجاح الانتخابات الجزائرية وتشكيل الحكومة، كما عبر عباس محمود عن شكره وامتنانه للرئيس تبون والشعب الجزائري على الدعم المتواصل للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ومساندة الجزائر التاريخية لفلسطين في كل مراحل النضال الفلسطيني وأمام المحافل الدولية، أما تبون من جانبه، فقد أكد أن الجزائر وشعبها، سيظلون دائما الى جانب فلسطين والفلسطينيين مدافعين على القضية الفلسطينية: « سنواصل وقوفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني، والجزائر ستواصل الحفاظ على تعاملها مع فلسطين من خلال بوابة الشرعية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس » العديد هي الانتخابات التي مرت بالمغرب والحكومات التي تشكلت عقبها، ولم يسبق لرئيس السلطة الفلسطينية أن تقدم لتهنئة الملك محمد السادس بنجاح الانتخابات، سؤال يجد إجابته في جوهر ما قلناه في السطور السابقة، إن زيارة وفد حركة حماس الى المغرب لحزب العدالة والتنمية لم ترق ولم تلق القبول من لدن رئيس السلطة الفلسطينية، ورأى أن حفاوة الاستقبال برعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، قد يضفي على الشرعية المغربية على الحركة، و تخوف أن تنتقل اضفاء هذه الشرعية الى عواصم عربية أخرى، وهذا ما لا تقبل به السلطة الفلسطينية التي ترغب احتكار هذه الشرعية لوحدهما جانب النظام الرسمي العربي، وجلي أنه حينما يقوم عباس محمود بهذه الخطوة نحو الرئيس الجزائري، فهو يعبر عن عدم رضاه على الزيارة إياها إلى المغرب، كما كان واضحا أن الجزائر أيضا لم تكن راضية على أن تكون زيارة حركة حماس الى المغرب قبل زيارة الجزائر، وهو ما بدا واضحا بعدم توجيه الجزائر الدعوة لحركة حماس الى الجزائر، رغم الاشارة التي أرسلها الناطق الرسمي لحركة حماس سامي أبو زهري عن رغبة الحركة زيارة الجزائر بعد اتمام زيارتها الى المغرب وموريتانيا، ولكن هذه الإشارة لم تلق الأذان الصاغية من الجانب الجزائري.
فالمغرب، دولة قوية وعريقة ومؤسساتها أقوى مما يتصور البعض، ولا ينتظر من هذا أو ذاك للاعتراف له بكل ما يقدمه لدعم القضية الفلسطينية.
هذا مثال واحد من أمثلة كثيرة يقوم بها العرب دون حساب خطواتهم، ودون إدراك ما قد تخلفه تلك الخطوات الانفعالية وغير المدروسة الجوانب من سلبيات على تكتل العرب وتقوية روابطهم.