خطاب العرش درس للأعداء قبل الأصدقاء
عبد العزيز شبراط
كان لخطاب العرش بمناسبة الذكرى 22 لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، صدى قويا في كل زوايا العالم، وترك أثرا طيبا في نفوس المغاربة، كيف لا يكون هذا الأثر طيبا ومرحبا به وجلالته يشعر بما يشعر أبناء شعبه ويحس بما يحسون: « إنها مرحلة صعبة علينا جميعا، وعلي شخصيا وعلى أسرتي، كباقي المواطنين، لأنني عندما أرى المغاربة يعانون، أحس بنفس الألم، وأتقاسم معهم نفس الشعور ».
هذه الفقرة وحدها من الخطاب الملكي التاريخي، قادرة على إحداث الفرق بين دولة عريقة وضاربة في عمق التاريخ، وبين دولة أنشئت قبل قليل، أو يقودها أشخاص لا تاريخ لهم، حمل هذا الخطاب العديد من الرسائل المباشرة والمشفرة، سواء للأصدقاء أو الخصوم، حتى لا نقول الأعداء، لأن جلالته يترفع عن مثل هذه النعوت بين البشر، ويعتبر أن العدو الاساس للبشرية، هو الفقر والحرمان والاضطهاد، وتعثر التنمية، وأكد جلالته على قيمة تحمل المسؤولية للساهرين على تنمية البلاد وتطورها خصوصا ما يتعلق بتنفيذ النموذج التنموي الجديد : » وكما كان الشأن في مرحلة الإعداد، فإننا نعتبر تنفيذ هذا النموذج، مسؤولية وطنية، تتطلب مشاركة كل طاقات وكفاءات الأمة، خاصة تلك التي ستتولى المسؤوليات الحكومية والعمومية، خلال السنوات القادمة.
وإننا نتطلع أن يشكل “الميثاق الوطني من أجل التنمية”، إطارا مرجعيا، من المبادئ والأولويات التنموية، وتعاقدا اقتصاديا واجتماعيا، يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب.
وبصفتنا المؤتمن على مصالح الوطن والمواطنين، سنحرص على مواكبة هذا التنزیل، بما يلزم من إجراءات وآليات ».
الخطاب أيضا فاجأ الجيران، وخصوصا الجارة الشرقية، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه جيراننا ردا مشابه لتهجمهم علينا وعلى سيادتنا ووحدتنا الترابية، جاء الرد متصفا بالنبوغ والفكر المستقبلي وليس ردا مبنيا على الأفكار الماضوية، التي تلاشت ولم يعد لها نفع في عالم اليوم، حتى الإعلام الجزائري وقف مصدوما من قوة الرد، ولم يجد أمامه من رد سوى الصمت، من خلال خطاب العرش، وعلى لسان صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مد المغرب يده مرة أخرى الى الجزائر للحوار وبدون شروط من أجل تنمية البلدين، وأكد جلالته أنه لن يصدر أي شر من المغرب الى الجزائر، واعتبر جلالته أن البلدين توأم متكاملين، : » وإيمانا بهذا التوجه، فإننا نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر، للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.
ذلك، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، و غير مقبول من طرف العديد من الدول.
فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين. »
« وقد عبرت عن ذلك صراحة، منذ 2008، و أكدت عليه عدة مرات، في مختلف المناسبات.
خاصة أنه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق.
ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا، على استمراره؛ أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا. »
خطاب العرش وضح بشكل كبير موقع المغرب في الجغرافية الدولية، وضح أيضا أن المغرب دول
وليست مجموعة تتعامل مع الحياة السياسية بشكل انطباعي ومجازي أو على أساس ردود فعل انفعالية.