جدوى ترشح الشباب كمستقلين
د.خالد فتحي
احتدم في الآونة الأخيرة جدل واسع حول جدوى تمكين الشباب من الترشح بشكل مستقل بدعم مادي من الدولة. حيث سارع بعض الفاعلين الحزبيين، وخصوصاً من المعارضة، إلى انتقاد هذه الخطوة، معتبرين أن البنية الحزبية هي الجهة الوحيدة المخوّلة بمنح التزكيات الانتخابية. ولتفادي أي حرج سياسي، رأينا هؤلاء يدعون الشباب الرافضين للانتماء إلى الأحزاب الحالية إلى تأسيس أحزاب جديدة بدل الترشح المستقل.
للوهلة الأولى، يبدو هذا الاعتراض وجيهاً، باعتبار أن الأحزاب السياسية هي التي من المفروض ان تضطلع بدور الوساطة بين المجتمع والدولة، وتتكفل بإدماج المطالب الاجتماعية ضمن المنظومة السياسية، كما أنها المسؤولة عن تغذية النظام السياسي بمدخلاته والسهر على مخرجاته.
غير أن سياق وملابسات هذا القرار، الذي أسفر عنه المجلس الوزاري الأخير، يستدعي منا قدراً من التروي في التحليل لفهم أسباب هذه الممانعة الحزبية، والبحث عما إذا كان هذا المقتضى يجد له تأصيلاً سياسياً مقنعاً، أم أنه مجرد رد فعل مفرط على أزمة تمثيلية كشفت عنها احتجاجات جيل “زد”.
أولاً: إن هؤلاء الشباب خرجوا إلى الشارع خارج إطار الأحزاب السياسية، التي فوجئت بدورها بحجم تلك التعبئة الشبابية، واعترفت ضمنياً بفشلها في احتضانهم أو تمثيل مطالبهم. ومن غير المنطقي أن تكون استجابة الدولة لمطالب هذه الفئة بإجبارهم على الانخراط في أحزاب يعلنون أصلاً أنهم لا يجدون أنفسهم في برامجها، بل يعتبرونها قد أخفقت في أداء وظائفها الدستورية الأساسية. ومن ثم، فإن دعوتهم إلى الترشح تحت لواء هذه الأحزاب ستبدو غير واقعية وغير منسجمة مع منطلقات الحراك الشبابي ذاته.
ثانياً: إن فتح باب الترشح المستقل أمام الشباب لا يلغي بطبيعة الحال حق الأحزاب في ترشيح شبابها دون سن الخامسة والثلاثين، بل يشكل خطوة مكملة تسمح باستيعاب الطاقات التي لم تجد موطئ قدم داخل الهياكل الحزبية. فبهذه الصيغة، يتحقق نوع من التوازن بين دعم الدولة للمشاركة السياسية للشباب، وبين الحفاظ على دور الأحزاب كفاعلين أساسيين في الحياة الديمقراطية.
إن السماح للشباب بالترشح كمستقلين بدعم من الدولة ليس خروجاً عن منطق الممارسة الديمقراطية، بل هو تجديد في أدواتها وآلياتها. فالمجتمعات التي تمر بمرحلة تحول سياسي واجتماعي عميق تحتاج إلى فتح نوافذ جديدة للمشاركة، خصوصاً حين تثبت التجارب أن الأطر التقليدية لم تعد قادرة على استيعاب ديناميات الجيل الجديد.
ان مبررات هذا القرار العقلاني الذي اتخذته الدولة عديدة ووجيهة:
أولاً، من الناحية الدستورية والسياسية، حق الترشح مكفول لكل المواطنين، ولا يجوز حصره في المنتمين للأحزاب. فالدولة، وهي تسعى إلى توسيع قاعدة المشاركة، تمارس حقها في تمكين فئة واسعة من الشباب من التعبير عن إرادتهم السياسية بشكل حر ومستقل، دون وصاية حزبية.
ثانياً، من الناحية التمثيلية، أظهرت الاحتجاجات الأخيرة أن هناك فجوة واضحة بين الأحزاب والشباب، وأن الخطاب الحزبي لم يعد قادراً على مخاطبة اهتماماتهم أو احتضان تطلعاتهم. وبالتالي، فإن فتح الباب أمام ترشح المستقلين يمثل آلية لتجديد النخب السياسية وضخ دماء جديدة في مؤسسات التمثيل.
ثالثاً، من الجانب العملي والرمزي، فإن دعم الدولة لترشح المستقلين يرسل إشارة قوية إلى الشباب مفادها أن النظام السياسي يستمع إليهم فعلاً، ولا يكتفي بخطابات التهدئة. كما أنه يكرّس مبدأ تكافؤ الفرص، ويتيح المنافسة على أساس الكفاءة لا الانتماء.
رابعاً، التجارب المقارنة في عدد من الدول الديمقراطية أثبتت أن وجود مرشحين مستقلين داخل المؤسسات المنتخبة لا يضعف الأحزاب، بل يحفّزها على تجديد خطابها ومراجعة أساليبها في التواصل مع المجتمع، وهو ما يصب في النهاية في مصلحة الحياة السياسية ككل.
لهذه الأسباب، يمكن القول إن خيار تمكين الشباب من الترشح المستقل هو خطوة جريئة نحو إعادة الثقة في العمل السياسي، وبناء جسر جديد بين الدولة والمجتمع، عنوانه الأساسي: إشراك الجيل الجديد في صناعة المستقبل، لا الاكتفاء بمشاهدته من بعيد.
