المغرب: حين تتحدث الشوارع وشبكات التواصل بصوتٍ أعلى من الأحزاب
بقلم محمد خوخشاني
- الأحزاب السياسية وخطاباتها بلا أثر
منذ سنوات، يبدو أن زعماء الأحزاب السياسية في المغرب قد انغلقوا داخل فقاعة كلامية، حيث تتوالى تصريحاتهم دون أن تترك أثراً في الشارع. فمع كل أزمة – ارتفاع الأسعار، تدهور الخدمات العمومية، بطالة الشباب – تتكاثر الوعود، لكن الواقع لا يتغير.
فعلى سبيل المثال، ورغم الجدل الواسع حول أسعار المحروقات، ظلت قضية أرباح الشركات النفطية دون حسم، رغم تقارير رسمية من المجلس الأعلى للحسابات. أما في قطاع الصحة، فإن الإصلاحات المعلنة لم تتجاوز إلى اليوم عتبة الوعود.
- الشباب المغربي بين الشارع والمنصات الرقمية
في مقابل هذا الجمود الحزبي، يتحرك الشباب المغربي عبر الشارع وشبكات التواصل الاجتماعي. فهم يعبرون بلغة جديدة: مباشرة، بصرية، ناقدة، لكنها صادقة.
لقد شهدت مدن عديدة احتجاجات سلمية لشباب وموظفين وأساتذة وممرضين، عبّرت عن وعيٍ جماعي جديد. كما لاقت حملات رقمية مثل “خليه_يريب” أو الدعوات لإصلاح التعليم والتوظيف صدىً واسعاً، فرض على الحكومة والسؤولين التعاطي مع تلك القضايا بجدية.
- تأثير حقيقي ولو بدون تنظيم
صحيح أن هذه الحركات لا تُنتج إصلاحات فورية، لكنها تُحدث تغييرات في المناخ العام. فهي تفرض مواضيعها على الأجندة الوطنية وتكسر الصمت حول قضايا حساسة.
ومن الأمثلة:
– احتجاجات قطاع الصحة دفعت إلى تسريع وتيرة التوظيف والإصلاح.
– الغلاء المعيشي أجبر الحكومة على مراجعة بعض الضرائب والدعم الاجتماعي.
– النقاشات الرقمية حول الفساد جعلت المؤسسات الرسمية أكثر شفافية ونقداً.
- الأحزاب أمام مفترق الطرق
أمام هذا الواقع الجديد، تجد الأحزاب السياسية نفسها أمام خيارين: إما أن تستمر في الخطاب الفارغ، أو أن تنفتح على نبض الشارع.
فإذا استطاعت أن تستوعب طاقة الشباب ومطالبهم، يمكنها أن تستعيد دورها الوسيط بين الدولة والمجتمع. أما إن واصلت تجاهلها، فسيبقى الشارع والمنصات الرقمية الفاعل الرئيسي في التغيير.
- نحو إعادة صياغة المشهد الديمقراطي
المشهد السياسي في المغرب يشهد اليوم تداخلاً جديداً: الدولة تمتلك السلطة القانونية، لكن المجتمع المتصل يمتلك السلطة الأخلاقية والرمزية.
وبين هذين المستويين، سيتحدد مستقبل البلاد. فالمغرب لا يمكن أن يتقدم من دون الدولة، ولا من دون شبابه.
خلاصة
بين الخطابات السياسية الفارغة والتعبيرات الشعبية الصادقة في الشوارع وعلى المنصات، يبدو أن الكلمة اليوم للثانية. إنها تعبير عن حاجة إلى الكرامة والعدالة والصدق. ما لم تتحول الأقوال إلى أفعال، سيبقى النقاش السياسي الحقيقي في الشارع وعلى الشاشات.
