رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التربية الوطنية حول مصطلح » النجوح «
ذ/ المختار عنقا الادريسي.
طنجة في 21 أكتوبر 2025 .
السيد الوزير المحترم
تابعت بإمعان خرجتكم الإعلامية الأخيرة التي استعملتم فيها مصطلحا جديدا كان لكم الفضل في ابتكاره هو » النجوح « عوضا عن » النجاح « ، وذلك في سياق حديثكم عن مسار التلاميذ ونتائجهم الدراسية. ولأن الكلمة لم تمر مرور الكرام، فقد أثارت في الأوساط التربوية واللغوية كثيرا من التساؤلات لا على مستوى المعنى فحسب، بل حتى عنما تعكسه من تصور للغة والمعرفة والتربية بصفة عامة.
السيد الوزير
فالزلات اللفظية واردة في كل الخطابات الشفهية، لكن حين يصدر مثل هذا » النحت اللغوي » عن رأس الهرم التربوي، فإن الأمر يتجاوز حدود الزلة ويتحول إلى رسالة رمزية غير محدودة. فكلمة » النجوح » التي تفضلتم بها، لا أصل لها في اللغة العربية، ولا في المعاجم القديمة أو حتى الحديثة، ولا تقوم على قياس لغوي سليم. لأن الكلمة الصحيحة هي النجاح، المشتقة من الجذر (ن. ج. ح) وتدل على الظفر بالمراد وبلوغ المقصود، بخلاف الجذر (ن. ج. و) الذي يعني النجاة والخلاص، والجذر (ف. و. ز) التي الفوز والانتصار.
ان الخلط بين النجاح والنجاة والفوز، وبين من بلغ الهدف ومن أفلت من الخطر ومن انتصر أو انهزم، ليس مجرد خطأ لغوي فحسب، بل هو اختلال في دلالات المفهوم التربوي ذاته. فالتربية التي نرجوها لناشئتنا ليست تربية « ينجو » فيها المتعلم (ة)من الفشل بالكاد، بل هي تربية » ينجح » فيها عن جدارة واستحقاق.
السيد الوزير
ليست اللغة العربية زينة القول، بل هي وعاء الفكر وميزان الوعي، وحين يختل اللسان تضيع معه المعنى. ومن غير المقبول أن تخرج من لسان من يمثل المؤسسة التعليمية الوطنية كلمات لا سند لها في لغة الضاد، لأن ذلك يبعث برسالة مقلقة على موقع اللغة العربية في منظومة التربية والتكوين.
لقد علمتنا التربية أن الكلمة مسؤولة، وأن السيد الوزير الذي يتحدث إلى الرأي العام إنما يخاطب أجيالا بأكملها. ومن هنا بالضبط فإننا نرجوكم أن تولوا عناية أكبر للغة العربية، باعتبارها ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي ركيزة للهوية وأساسا للفهم التربوي السليم.
فلغتنا العربية، يا سيادة الوزير لا تحتاج إلى أي « نحت لغوي » مرتجل، بل هي في أمس الحاجة إلى وعي راسخ بجمالها وغناها. وليكن إصلاح التعليم كما نطمح إليه جميعا، مقرونا بإصلاح اللسان، لأن النجاح الحقيقي والمستمر يبدأ من سلامة الكلمة.
وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام.
