البؤس الجزائري وعقد تفوق النموذج المغربي؛ مقاربة في خلفيات إفلاس العسكر السياسي الجزائري
بقلم ذ مراد أحتي، باحث في القانون العام و العلاقات الدولية
لا جرم أن الجميع شاهد على التطورات الأخيرة في العلاقات بين المغرب والجزائر، حيث عرفت السياسة الخارجية للمغرب في الفترة الأخيرة أحداثا سياسية بارزة لم يتوقع أحد حدوثها لاسيما في سياق زمني قصير جدا ربح فيها المغرب فتح قنصليات كثير من الدول بالعيون المغربية .
فبعدما أدخلت الجزائر زعيم جبهة البوليزاريو اللاشرعي على دخول اسبانيا باسم مزور هو » بن بطوش » وبجواز سفر مزور كذلك، وبعد الاتهامات العدوانية من لدن الجزائر وبعض المنظمات الدولية الموظفين في سياق محاصرة المغرب، بدءا بمؤامرة » البيجاسوس » التي لم يقتنيه المغرب نهائيا، ومرورا باتهاماتها للمغرب بإشعال الحرائق في مجموعة من المناطق كتيزي وزو وسطيف وبجاية وسكيكدة، ووصولا إلى إعلانها قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد عدة لقاءات منها انعقاد ما يسمى بالمجلس الأعلى للأمن ثم المجلس الوزاري وبالتالي تلاوة رمضان لعمامرة لبيان المقاطعة. حيث تبين للجميع تمسك المغرب بخطاب الحكمة، والمصلحة المشتركة للشعوب المغاربية في مقابل تشبت الجزائر بخطابها الاندفاعي العدواني القائم على منطق العقد التاريخية التي تمنح من بنية بسيكولوجية مركبة، مما أدى بالكثير إلى التساؤل ما الغاية من إصرار المغرب الذي تصدى لدول عظمى في أوربا وأوقفها عند حدها على مخاطبة الجزائر، التي تنتمي لبلدان الجنوب ، بخطاب الدولة المتحضرة على نقيض عسكر سياسي بئيس .
لم يفهم الكثير من المتابعين لمجريات الحاصل كيف أن المغرب وقف في وجه بعض دول أوربا التي حاولت ممارسة بعض المضايقات التي تمس بوحدته الترابية هو نفسه ما يزال يدعو الجزائر إلى الاحتكام للعقل ومراعاة مصلحة شعوب المغرب الكبير عموما والشعب الجزائري خصوصا . وبردود الفعل الهادئة من قبل المغرب، والتي لم تستوعبها دول أوربا بنضجها الدبلوماسي، استطاع أن يفرض نفسه كقوة إقليمية فاعلة وموجهة للتفاعلات الدولية على الصعيد الدولي لاسيما القاري والجهوي منذ الحسم مع سياسة الكرسي الشاغر في منظمة الاتحاد الإفريقي، لكنه في مقابل ذلك مستمر على منهجه الدبلوماسي الرصين والمحترف وفق محددات المدرسة الدبلوماسية المغربية التي أرساها محمد السادس بوعي جيو – استراتيجي في التعامل مع النظام العسكري الجزائري المتأخر عن معانقة تطلعات الشعوب .
مبدئيا تعتبر الجزائر من أبرز أعداء الوحدة الترابية للمملكة ، بل هي التي خلقت كيانا وهميا على أراضيها، وقد بذلت مجهودات كبيرة جدا ساهمت في تجويع الشعب الجزائري وحرمانه من الثروة كل ذلك من أجل عرقلة نمو المغرب على أمل إضعافه واستنزافه، وهو ما فشل قصر المرادية الذي أهدر كل فرص النماء أمام المجتمع الجزائري باسم دعم كيان وهمي منتهي بقوة الشرعية التي تحظى لها القضية الترابية للمغرب .
وعلى الرغم من ذلك هنالك اعتبار ما يميز الجزائر عن باقي أعداء الوحدة الترابية، إذ أن قرارات المغرب تاريخية تؤسس على قواعد القانون الدولي وهو ما أدخل خصوم المغرب في زوبعة من القلق والتوتر كادت تسبب لإسبانيا انهيارا اقتصاديا وسياسيا، علاوة على حالة الفوبيا الجماعية التي مست الشعب الجزائري لعبة ما راكمه المغرب من تراكمات؛ وهو ما يبين أن المغرب لا يصعب عليه أبدا اعتماد سياسة التصعيد تجاه النظام الجزائري بل والخوض معه في حرب مدمرة أكبر من حرب الرمال والي ستنتهي بانتصار المغرب من دون شك، لكن هنالك عوامل إنسانية وسياسية واقتصادية يراعيها المغرب في علاقته بالجزائر الذي يستعصي عليه فهم عمق التحضر الدبلوماسي المغربي .
فالمغرب شعب / أمة ودولة مؤسسات تعتمد مقاربات دقيقة في عملية هندسة السياسات العمومية عموما والسياسة الخارجية خصوصا لصالح الحق في التنمية، عكس الجزائر التي أبانت الممارسة التاريخية أنها دولة عسكر متشنج تتخذ القرارات السياسية بعبثية وانفعالية ومزاجية حسب » الكانة » / المزاج البسيكولوجي المتوتر للعسكر السياسي الذي يقودها من داخل قصر المرادية .
لذلك فالمغرب بل والعالم أجمع مدرك تماما أن عبثية هذا النظام العسكري الشوفيني يشكل خطرا على الشعب الجزائري أولا وعلى مصالح المغرب الكبير وحتى على دول جنوب البحر الأبيض المتوسط في اتجاه منطقة جنوب الصحراء التي تسيء إلى أمنها دولة العسكر المتشنج. فالمغرب، لكونه جعل التنمية اختيارا استراتيجيا، يعمل بناء على منهجيات مضبوطة، بدقة على تغليب منطق الحكمة في اتخاذ القرار الدبلوماسي العمومي الأفضل و الأنسب لرفاه الشعب المغربي وباقي شعوب المغرب الكبير عبر تجويد مناخ الأمن لمحاربة مسترسلة للإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات والرفيق عبر الهجرة السرية لصالح الأمن القومي الأوروبي من مدخل الدور الدركي الذي يتقنه المغرب .
لكن هذا لا ينفي إمكانية حدوث الحرب بين الدولتين (المغرب والجزائر) إذا استمر الاستفزاز الجزائري، فالمغرب في علاقته بأي دولة يده على الزناد ومستعد للدفاع عن أمنه القومي ووحدته الترابية، وأمام عزم الجزائر على التصعيد من خلال تشديد المراقبة الحدودية ومحاولة استفزاز الجيش المغربي بعد فشلها في استفزازه عن طريق مرتزقة البوليزاريو، قد يؤدي على نشوب حرب محتملة بين الدولتين وهو ما لن يقبله المنتظم الدولي في هذه المرحلة الموسومة بهيمنة تداعيات جائحة الكوفيد. وقد أكد المغرب في رده على قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، على أنه سيظل شريكا موثوقا للشعب الجزائري وهو لذلك يؤكد الاتجاه المحترف للدبلوماسية المغربية، فلو كان المغرب يتصرف بنفس مزاجية النظام الجزائري لحصلت الفاجعة، إلا أن المغرب الحكيم دائما يراعي مصلحة الشعوب المغاربية مهما كان متهورا وطائشا وغير عاقل البتة بكل منطلقات الفهم والتأويل .
وعلى هذا الأساس كان رد المملكة أكثر حكمة ورصانة مما توقع الكثير، وهو ربح للشعبين المغربي والجزائري من حيث ضمان الأمن بين الجارين ولكنه خسارة للنظام العسكر الجزائري الذي يبحث عن سبب ما لتصدير أزمته الداخلية ولتوجيه الرأي العام الداخلي الجزائري نحو خطر وهمي مزيف بعيدا عن القضايا الحقيقية للشعب الجزائري التي هي إفلاس نظام البؤس العسكري، لاسيما بعد فضيحة افتقاده لطائرات « كنادير » لإطفاء الحرائق، عكس المغرب الذي كان له السبق في إطار التخطيط الاستراتيجي الذي يشتغل به والذي تقتضيه الحكامة في التدبير و توقع المخاطر .
ختاما؛ فالجزائر بعد انهزام عصابة البوليزاريو وفشل محاولات الضغط من طرف دول أوربية على المغرب لاستغلال ورقة الغاز، قررت الخروج من وكرها لاستفزاز المغرب مباشرة لعله ينساق إلى خطاب الحرب فتنجح في تصدير أزمتها الداخلية وفق المنطق البسيماركي وتخلق نوعا من الانتصار البسيكولوجي أمام شعبها المتأزم، لاسيما بعد التقدم المغربي في مسار التنمية الذي استفز عقول العسكر الجزائري، وبسبب الدور القيادي للمغرب على مستوى العلاقات جنوب – جنوب من خلال الاتحاد الإفريقي عبر براديغم رابح / رابح، وبخطاب دبلوماسي عقلاني مستدام على منوال خطاب صاحب الجلالة في خطاب العرش الذي قدم العالم الدليل على أن المغرب دولة متحضرة بمحاذاة دولة تقليدانية فاشية. وبالنسبة لنظام العسكر الجزائري فبيننا وبينه التاريخ لأن نهايته سوف تكون مأساوية بعد أن يفشل في تصدير أزمته الداخلية وما ينبئك مثل تاريخ .