توضيح الأمور فيما جرى ويجري بحزب التقدم والاشتراكية
فؤاد الجعيدي
التاريخ لا يرحم، وعلمتنا النظرية الاشتراكية العلمية، أن نتعاطى مع الأفكار والسلوكات في عمليات النضال، من منطلقات المادية التاريخية، وبالذات هنا نفهم أن حركية الأحداث وتطوراتها، تحكمها قوانين الجدل وأن كل وضع يحمل في طياته نقيضه، وما أن تنضج الظروف والعوامل الذاتية والموضوعية وتحتد التناقضات، تفرز لنا أوضاعا جديدة، والسنافير التي تخرج اليوم من جحورها غير مؤهلة ومتمكنة من القراءة الموضوعية للأحداث وتطوراتها.
تيار( سنواصل الطريق)، اشتغل ومنذ شهور، لتوحيد القناعات، هذا الاشتغال، كان عبر لقاءات مباشرة في العيون وسطات والدار البيضاء وفاس والقنيطرة وتازة وآسفي وطنجة.. لكن في ظل الجائحة استعان أيضا بالتكنولوجيا الرقمية في لقاءات تناظرية، لاستمرار النقاش وإثرائه.
منهجيا، كان الرفاق يحرصون على التقيد بالمناهج العلمية، لفهم ما جرى ويجري بحزب التقدم والاشتراكية، منذ حكومة التناوب الأولى، ويدققون ما الذي أنتجه الحزب طيلة هذا المسار، سيما أنه تحمل مسؤولية تدبير الشأن العمومي على عشرات السنيين..
وتوفق الرفاق في نهاية المطاف، من تهيئ وثيقة تركيبية من تسع صفحات، علما أن ما أنتج من أفكار ناهز عشرات الصفحات، وكل قضية أفرز لها باب من أبواب أطروحة سياسية، تعاطت مع الواقع الاجتماعي المغربي في كل تحولاته الهادئة والعميقة وما تمخض عنها من مواطن القوة والضعف.
ومن خلال هذا الاشتغال الفكري، كنا نستحضر أوضاع اليسار المغربي وحزب التقدم والاشتراكية جزء لا يتجزأ منه، ونسائل المواقف واختلال موازين القوى، وهيمنة النزعات الذاتية، والتي عطلت الأداء السياسي والتنظيمي، والذي كان هشا للتأثير في مجريات الأحداث، وكلما وقع الخلاف في التقدير بشأن قضية من القضايا، كنا نستحضر تجارب الحزب وفي ظروف قاسية لنستخرج الدروس والخلاصات، التي تنير لا الطريق لنواصل طريق النضال الديمقراطي، وكنا نحرص على هذا التفكير الجماعي ومزياه، وننصت لبعضنا البعض، وننصت أيضا لكافة رفاقنا، ولنبض المجتمع، ونتحلى بالصبر ونقاوم فينا الأنانية، إلى أن توفقنا في نهاية المطاف، لتوفير وثيقة تركيبية سياسيا واجتماعيا وتنظيميا وغدت ملكا مشاعا اليوم بين كل الرفاق وكل المناضلين المغاربة، بحثا في أفق جديد لمصالحة وطنية شجاعة ومسؤولة لا تستثني أحدا.
لكن في المقابل خرج ( رفاق ) أو وظفوا عن طواعية واختيار، لمناهضة هذا المد ومناهضة المبادرة، وهو رهان خاسر لكن في عمقه يكشف عن توجهات انتهازية حاولت تدجين التنظيم، وزرع بذور الانتفاع في خلاياه وتخويف البعض، وصده على أن لا يكون حركة وطنية يسارية المنشأة والتوجهات، هدفها الأوحد هو المساهمة في تغيير مجتمعنا نحو الأفضل وأن تستفيد من هذا التغيير القوى العاملة وعموم الكادحين.
بالعودة للوثيقة، إن الرفاق الذين ساهموا فيها وفي تحريرها، راكموا عبر مساراتهم النضالية، تجارب غنية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنقابي.. وعلى المستوى المعرفي هم من خيرة الرفاق، المنفتحون على الثقافات الكونية وما يجري من نقاشات على المستوى الدولي اليوم، والحاجة إلى العودة إلى الاشتراكية العلمية، ومدى قدرتها على تجاوز التناقضات والاختلالات التي أنتجها، سوء توزيع المقدرات والهيمنة المطلقة للمؤسسات المالية الدولية. وفشل السياسات العمومية في العديد من البلدان التي عاشت حراكات اجتماعية قوية وأدت إلى مزيد من القتال والتطاحن كما وقع في البلدان العربية.
طبيعة النقاش، الذي توليناه عبر المواقع الاجتماعية، تجاوزنا فيه بكثير، الثقافات المهيمنة والأحكام الجاهزة وأحكام القيمة، ولم تكن لنا في النقاش خطوطا حمراء أو تقديس أشخاص، لا سيما في الحزب واعتبرناهم بشرا ينجحون كما يخطؤون، لكن بعيدا عن الشماتة في أي كان كما بات يروج له من طرف قيادة الحزب، في حق رفاق ما بدلوا تبديلا، وذنبهم الوحيد أنهم تجرؤوا بالأسئلة التي تسكن قلوبهم وأحلامهم في وطن حر وسعيد.
من يحاول التصدي لهذا التيار خاسر وجبان وضعيف، اليوم المعركة والصراع هو حول الأفكار وليس حول الأشخاص، وهناك من ذهب لتفسير الحركة بالتسابق نحو الزعامة، علما أن زمن الزعامات ولى إلى غير رجعة وأن الحاجة الماسة إلى التدبير الجماعية هي الفكر الحاضرة والمهيمنة.
وأننا أعلناها جهرا وبقوة تجريم الربح المادي ومراكمة الثروات من العمل السياسي والجمعوي، من يريد الربح فليذهب لإنشاء المقاولات وإنتاج الثروة بعرق الجبين.
السياسة والنضال عمل تطوعي بالأساس، وعمل يقوم على التضحية من أجل الآخرين وليس التضحية بهم، كما حدث ويحدث بحزب التقدم والاشتراكية، ولا تعوزنا الأمثلة وإن فرض علينا فضح كل ذلك، لن نتردد في القيام به..