هل الأحزاب الثلاثة التي تصدرت الانتخابات قادرة وحدها تسيير البلاد؟
عبد العزيز شبراط
يبدو أن المغرب يسير نحو حكومة مكونة من الأحزاب الثلاثة، التي تصدرت انتخابات الثامن من شتنبر 2021، وهي: التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، ويبدو ذلك من خلال التحالف الثلاثي الذي وقعته هذه الاحزاب أيامًا قليلة بعد صدور النتائج، وقد انطلق العمل وفق هذا التحالف في ربوع الوطن، وظهرت نتائجه على بالملموس على مستوى تكوين مكاتب الجهات ( تسع جهات الى حدود كتابة هذه المادة) ونفس المسار اتخذته مكاتب عمودية المدن الكبرى، وحتى بعض المدن الأخرى، ويبدو جليا أن الأمر سيسير على هذا المنوال في كل المجالس الجماعية المحلية والجهوية، وقد يكون هذا التوجه هو الذي سيتحكم في تشكيل الحكومة المنتظرة، من الزاوية المنطقية سيكون هذا الأمر محببا لدى جميع المتتبعين للفعل السياسي ببلادنا، بل وقد نقول أن هذه الخطوة إن نفذت، ستحول البلاد إلى توجهات جديدة في تدبير الشأن العام المغربي، وبهذا تكون بلادنا اتخذت لها سكة السير نحو القطبية، فهذه الاحزاب الثلاثة تتبنى الليبرالية ( التجمع الوطني للأحرار والاصالة والمعاصرة) والتعادلية ( حزب الاستقلال البورجوازية الوطنية وهي أيضا ليبرالية)، في هذه الوضعية تكون الأحزاب التي تحسب على اليسار مدعوة للتحالف وتقوية تماسكها لتشكل معارضة قوية، من أجل أن تلعب دور المراقب اليقظ تجاه الأحزاب التي ستأخذ بزمام التسيير والتدبير، لأنه إذا حدث العكس، أي إذا ظلت هذه الاحزاب اليسارية غير مهتمة بشؤون البلاد، وغرقت في معالجة مشاكلها الخاصة، وابتعدت عن هموم المواطنين وحاجاتهم، ستخسر الكثير في الاستحقاقات القادمة، وقد تضيع فرصة عودتها إلى الصفوف الأمامية لتأطير المواطنين وتعبئتهم والوقوف بجانبهم للدفاع عن حقوقهم، التي دون شك ستتعرض للهضم، كما ستفقد الفئات الهشة والمستضعفة، الكثير من المكتسبات التي هي اليوم بحوزتها، معلوم أن التوجه الليبرالي كما متعارف عليه، يضع مصالحه الشخصية قبل كل المصالح، الا إذا كان يدرك أن تلك الفئات المستضعفة توجد خلفها أحزاب قوية ونقابات صلبة، فإذا اقتصر تشكيل هذه الحكومة المنتظرة فقط على هذه الأحزاب، وظلت الاحزاب اليسارية ضعيفة ومشردمة، ستكون بلادنا أمام وضع صعب، قد يسمح للأحزاب ذات التوجه الاسلامي بالتكتل في تحالف يميني متطرف، وهو ما لا نتمناه أبدًا لبلادنا، خصوصا أمام الوضع الاقليمي المتأزم اليوم، فبلادنا أمامها تحديات كبرى، كما تحيط بها مجموعة من الاستفزازات، وبلادنا مستهدفة من قبل الكثير من الأعداء، لهذا فالأحزاب التي يبدو أنها ستقود الحكومة ستجد نفسها أمام هذه الصعوبات، التي تتطلب جهدا كبيرا وحنكة سياسية قوية، قادرة على الاقناع، خصوصا على مستوى تدبير الحوارات بين بلدنا و البدان التي تقودها أحزاب ذات توجهات يسارية.
إن مصلحة البلاد اليوم، تفرض على الأحزاب اليسارية التحالف وبناء كتلة قوية لمواجهة التحديات التي أمامنا، كما عليها وحدها أن تلعب الحارس الأساس لمراقبة بعض التجاوزات التي قد تحدث من هنا أو هناك، وقراءة سريعة للبيان الختامي للعدالة والتنمية عقب انعقاد الدورة الاستثنائية لمجلسه الوطني يوم الاحد 19 من شتنبر الحالي، وأعرب الحزب في البيان الختامي للدورة الاستثنائية لمجلسه الوطني « عن استنكاره للخروقات والاختلالات التي شهدتها هذه الانتخابات« ، ومن أبرزها « الاستعمال الكثيف للمال، أو التلاعب بالمحاضر، وعدم تسليم بعضها، وتسليم بعضها الآخر خارج مكاتب التصويت، أو التوجيه المباشر للناخبين يوم الاقتراع« . وأضاف أن عملية « الإفساد الانتخابي أفضت إلى إعلان نتائج لا تعكس حقيقة الخريطة السياسية والإرادة الحرة للناخبين« ، مشددا على أن ما حصل « انتكاسة لمسار تجربتنا الديمقراطية ولما راكمته بلادنا من مكتسبات في هذا المجال« . في هذا البيان بعث الحزب إياه مجموعة من الرسائل المشفرة التي علينا قراءتها واتخاذها مأخذ الجد.
لسنا في حاجة اليوم الى العودة الى الاختناق وخلق توترات مجانية، قد تجرنا الى ما لا نريد، فبلادنا قطعت أشواطًا طويلة في بناء الديمقراطية، ولسنا مستعدين للعودة الى الوراء.