هل تشكل الدولة المغربية بدأ مع الفتوحات الإسلامي؟
علال بنور
بدأ الفتح الاسلامي وهناك من يعتبره غزوا للمغرب، منذ القرن 7 م الى بداية القرن 8 م ، وهي مدة طويلة مقارنة مع مدة الفتح في مصر والشام ، ارتبطت هذه المدة الطويلة بمجموعة من العوامل، منها الصراع السياسي حول الخلافة في المشرق، ثم طبيعة المغرب الجغرافية والتاريخية، هذه الاخيرة متجسدة في الموقف الرافض للأمازيغ اتجاه الاجنبي، انطلاقا من تجربتهم مع الرومان؛ إضافة إلى صعوبة تواصلهم بسبب عائق اللغة؛ غير أن بعض المؤرخين يستبعدون هذا العامل الاخير، في مقابل ذلك ساهمت مجموعة من العوامل في اعتناق الاسلام، ومن أهمها انتشار فكرة الوحدانية في البيئة الامازيغية مع المسيحية و اليهودية ، كما أن طبيعة الاسلام ومبادئه التي تعتبر المسلمين سواسية مهما اختلفوا في اللون والعرق، ساهمت في تبني الدين الجديد، وبالتالي سهلت النقلة الاجتماعية للأمازيغ وامتلاكهم النفوذ السياسي والاجتماعي إلى جانب الفاتحين المسلمين ، على عكس القانون الروماني الذي أقصى الامازيغ من الحق السياسي والاجتماعي، وذلك معطى تاريخي لا يجب التنكر اليه، اضف الى ذلك اشراك الفاتح العربي زعماء القبائل في الاستفادة من الفائض الاقتصادي الناتج عن الغنائم بالأندلس، التي قادها القائد الامازيغي طارق بن زياد تحت امرة الوالي موسى بن نصير سنة 712 م ، وبذلك انفتحت سيرورة اندماج المغرب في المشرق، غير أن مسألة الاندماج يمكن التعامل معها بتحفظ . هل نعتبرها تبعية بالصلاة للدعاء الى الخليفة في المشرق؟ أم نسميها اندماجا في الامة العربية قوميا واسلاميا؟ إلى أي حد يجوز استعمال مفهوم الاندماج في هذه المحطة التاريخية؟
لكننا عندما نعود إلى الاستاذ عبد الله العروي، نجد له رأي آخر حيت يقول: «اعتراف شيوخ البربر بسلطة الخليفة، كان مقابل اعتراف الفاتحين بسلطة الشيوخ، عندما عرضوا عليهم اقتسام امجاد وغنائم فتح الاندلس » مجمل تاريخ المغرب ط 1ص: 113.
وهكذا ظهر خلال القرن 8 م بالمغرب الاقصى عدة امارات، تشكلت من تنظيمات قبلية مذهبية منها: امارة بني رستم في المغرب الاوسط وامارة بنو مدرار في سجلماسة وامارة برغواطة بالمغرب الاقصى بالسهول الممتدة من نهر أبي رقراق الى نهر تانسيفت ، والشاملة للسهول الداخلية من هذا لمجال الساحلي، وامارة آل نكور بالشمال المغربي وامارة الادارسة بالوسط المغربي، فهناك من المؤرخين من يعتبر، أن مشروع وحدة الكيان المغربي وبناء الدولة المركزية لم يكتمل في العصر الوسيط، بل سيتأخر الى القرن 10 م بعد تفكك الاسرة الادريسية الى امارا ت مستقلة، أو تابعة لاحد ابناء ادريس الثاني، بسبب تداخل عدة عوامل منها: عجز الادارسة عن التحكم في المغرب الأقصى مجاليا واجتماعيا، وفشلهم في هزم المذاهب الفكرية والسياسية، كمذهب الخوارج والشيعة في المغرب، إلى أن جاءت الوحدة وبناء دولة مركزية مع المرابطين خلال القرن 11 م.
لقد فشلت المحاولات الوحدوية للأدارسة كما فشل الفاطميون في الغرب الإسلامي، لكن عندما جاءت الدولة العصبية القبلية مع المرابطية، تمكنت من مشروع بناء الكيان السياسي، وتوحيد جزء هام من المنطقة من شمل الاندلس والمغرب الاقصى والقسم الغربي من المغرب الاوسط وبلاد السودان (مالي والسنغال) خلال النصف الثاني من القرن 11 م، إن نجاح المرابطين في المحاولات الوحدوية، عكس سابقيهم يعود في اعتقادي للعوامل التالية:
*اقتصاديا: عرفت المحاور التجارية الصحراوية خلال النصف الاول من القرن 11 م، انحرافا نحو الغرب، خوفا من الاستيطان القبلي العربي البدوي، بني هلال وبني معقل وبني سليم في المغربين الادنى والاوسط، مما اعطى فرصة لقبائل صنهاجة ولمتونة ومسوفة وجدالة للاستفادة أكثر من التجارة الصحراوية، بالمغرب الاقصى، تمخض عنها فائض اقتصادي، ساهم بدوره في فرز اجتماعي، باغتناء الارستقراطية القبلية، وهو شرط من شروط بناء الكيان السياسي في تلك المرحلة التاريخية.
*ايديولوجيا: إن صيرورة الوحدة التي افرزها الجانب الاقتصادي غير كافية، مما تطلب وحدة عقائدية مثلها الاسلام، ساهم في تشكيلها المذهب المالكي الذي حاصر باقي العقائد، كالعقيدة البرغواطية والشيعية والخوارج.
بعد هجرة عبد الله بن ياسين من مدرسة وحكاك بن زللو اللمطي بسوس الى الصحراء والتقائه بإبراهيم الجدالي، بعد عودته من الحج، باشر الداعية المالكي عبد الله بن ياسين، بناء نواة الدولة برباط السنغال مستفيدا من عامل العصبية الصنهاجية كأداة سياسية للصراع، وضرورة لبناء جهاز الدولة، والاعتماد على اقتصاد المغازي.
هذه العوامل المتفاعلة، ساهمت في توحيد الصحراء تحت قيادة المرابطين، اما توحيدهم لباقي الاجزاء، فقد ساعد في تحقيقه هيمنة المذهب المالكي على المجتمع، حيث تمكن الفقهاء من نشر هذا المذهب في كل من المغرب الاقصى وبلاد الاندلس. وبالتالي شكلت هذه العوامل عنصرا ايجابيا في الاسراع بتوحيد المجتمع، وتأسيس كيان مغربي، والذي يعتبر زمن القطع في تشكيل الدولة بالمغرب، باعتباره اعادة انتاج او زمن التطور، فقد جسدته فيما بعد كل من التجربة الموحدية ثم المرينية، اللتان حاولتا تجاوزه الى بناء الدولة والمجتمع المغربي، وبالخصوص مع الموحدين الذين تمكنوا من توحيد المغرب الكبير، قرابة قرن من الزمان مشكلين امبراطورية مترامية الأطراف، تقوم على القوة العسكرية واقتصاد المغازي والزعامة الدينية.
غير أن التجربة المرينية في توحيد المنطقة، مع فترة حكم ابي الحسن، وبعده ابي عنان في منتصف القرن 14 م، قد فشلت بسبب عودة عدم تكافؤ الفرص بين أطراف المنطقة، بعد وصول القبائل العربية البدوية الى الصحراء بالسواحل الاطلسية.