بلاغة الهشاشة في فقدان المناعة
د. سعيد ألعنزي تاشفين
إلى الشهداء في الأعالي من أجل الوطن، فحصلوا على رغيف خبز بمرارة الضياع بحضن الوطن، ونحن في الفجيع على مقلتي هذا الوطن..
للذين في الحزن يقبعون صامتين، الذين في نقيضه ينعمون غير مكترثين بغيرهم من ضحايا الأرصفة من صنف الجياع والمشردين على عتبات الوطن..
للعائدين إلى حضن الأمهات، خائبين خيبات البلاد كلها، وللذين غادروا حضن الأمهات إلى البعيد البعيد، حيث الصدمات لعبة الزمان في سياقات الإفلاس ..
للأسرة التي اكتملت بالحضور الممزق بضربات النكد، ومثلها الأسرة التي نقصت بالغياب والرحيل حتى كان لهم في المقابر أكثر مما لهم في الوجود ..
للمرافقين لأحبابهم في مستشفيات الموت، باليأس لا بمرض مزمن، الذين يعرفون أن اليوم لا اسم له سوى تعداد الآلام بمحاذاة أسرّة الوسخ الصحي، وفقط يعدون، كم لبث مريضهم في العناية غير المركزّة في انتظار الموت على شرف » الحكرة » أمام مرأى و مسمع من خطابات منمقة لمعالي الوزير ..
إلى الذين في الثغور يسدون عورة البلاد واقفين شامخين غير ابهين باستفزازات العدو، الأبناء البررة الذين هاجروا لتحقيق حلم وطن لا يخصهم وحدهم، مقدمين دماءهم عربون وفاء حتى يحيا الوطن ..
إلى البنات اللائي يسهرن بالليل يمسحن الجدران وهن ينتقمن من الزمان بقتله بكؤوس الجعة والراح، ويعلقن الستائر ليبدو الوقت أجمل مما هو عليه..
للأسر التي فقدت معيلها وحاميها، وتماسكت بالباقيات الصالحات، رغم تلصص قناصي الفرص من الجياع المكبوتين المتربصين بلحوم بشرية في كل الزوايا والدروب..
للأطفال الأنقياء الذين يمسحون عنا السواد، بمدارس الشعب حيث البحث عن الأمل كالبحث عن دمعة قمر في ليلة ظلماء رعناء، ويعيدون إلينا أبجدية الابتسام على حظوة المادة المعرفية، التي يتقنها ما بقي من المعلمين والأساتذة في سياق تحول الجميع إلى سماسرة الإقطاعات والانخراط الانتهازي بالوداديات واقتناص » الهمزة » وتقديم دروس الريع التربوي على أشلاء قراءة الكتب ومطالعة الأسفار وتحرير المقالات ..
إلى الغرباء الذين يربتون على ظهورنا ساعة الفجيعة، ويؤنسون وحشتنا في كنف الاغتراب، ثم يصبحون من الأصدقاء الأوفياء بعدما سقطت ورقة التوت على عورة الانتهازيين من ذوي مخالب » المرقة » وإعادة ترتيب العلاقات بقياس الربح والريع..
إلى الصديقات اللائي يجعلن الحياة أجمل وأبهى، من الجميلات الصابرات المثابرات، اللائي انتظرن حلمهن القريب البعيد في مجتمع اللاحب، والعشق هنا معطى طبقي متحور عن سلامة و نبل الوجدان، وهن يحلمن بفارس على حصان أبيض ، ثم على حين غرة اكتشفن أن العمر انتهى بين متاريس الإحباطات والعار..
إلى الشباب الذين مازالوا يخاطرون فوق موج البحر، يحتملون كل الألم ويتحسسون الضياع، وهم يوثقون على جبين الوطن معاناة من وجع وأنين، وأهم صادراتنا إلى الغرب حقائب جلدية مصنوعة من جسد الإنسان..
إلى كل الوزراء والسفراء والمدراء، وغيرهم من المحظوظين في صدر الوطن، رواتب سمينة وتعويضات من خيال، وأواني فضية وسفريات للنخوة والبهجة باسم خدمة الوطن، وهم على شظايا الكادحين والمستفقرين من بني جلدتهم في عز الوطن ..
إلى عموم المنتخبين أفقيا وعموديا، وهم عرضة للبحث المضنى عن علاوات في بحبوحة » دهن السير إسير « ، على أشلاء » بوزبال » من صنف البشر، و السياسة عندهم مرق و بلح و » كعب لغزال » وما طاب من اللحم حيوانيا و بشريا على حساب تنمية الأصقاع ، و الإيديولوجيا مهنة المحنطين في علم » لكرش « ، وساساتنا المحترمين جدا، لا يفهمون سوى في المقاولات والشركات والإعفاءات من الجبايات، وتخصصهم العلمي تمكين الأبناء في مناصب » القاع والباع « ، وتوظيف الخليلات في نعيم الدواوين، ثم نفخ الأرداف بعلاوات » الديبلاصما » إبان زيارة القطيع في أمكنة الضياع من المطالبين فقط ب » لبون » قصد الحصول على رغيف أسود مدعم من صندوق المقاصة في جغرافية لا تملك » لكالامار » ولا » لميرلا » أو » لكروفيت » ..
إلى كل هؤلاء عيد استقلال طيب، وكل عام والوطن بخير على الرغم من البلطجية والسماسرة و » المرايقية » والحسرايفية و الانتهازيين الذين لا يعرفون في الوطن إلا الربح والامتيازات ..
و ختاما ، رغم الحزن و الأمل المخصي ، عاش المغرب واحدا موحدا ، و كل عام و هو ٱمن مطمئن و مستقر في انتظار إنصاف الجياع و البؤساء و المشردين من لدن حكومة الأغلبية ضد الأقلية ، و فضي الأمر الذي فيه تستفتيان ..