الثورة الناعمة والهادئة بالمغرب المعاصر

الثورة الناعمة والهادئة بالمغرب المعاصر
شارك

فؤاد الجعيدي

الأحزاب السياسية التي تعاقبت على تسيير الشأن العمومي، في العقدين الأخيرين ببلادنا، فشلت في إنجاز مهام الانتقال الديمقراطي.

لم يكن الفشل سياسيا، بل تعداه إلى ضرب منظومة القيم الايجابية داخل المجتمع، وصولا إلى تبخيس السياسة، إلى أدنى مستوياتها التي لم يعرف لها المغرب مثيلا. وصار التطاحن جليا بين القوى السياسية على مواقعها، وأشكال تحكمها فيما يخدم تنظيماتها، في الوقت الذي غدا فيه الاتجاه السياسي العام للبلاد،، يعلن عن أزمات متوالية، زاد من حدتها الشلل التام الذي عرفه الاقتصاد الوطني في مواجهته للوباء العالمي الذي حد من نشاط الناس في حياتهم اليومية.

النخب السياسية لا تنتج أفكارا، ولا تبدع مشاريع برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، تتجاوب مع تطلعات أوسع الفئات، وبالأخص تلك التي ازدادت أوضاع هشاشتها سواء بالتسريحات أو انعدام فرص العمل.

لا يمكن أن نعود بالأسباب فقط للجائحة، بل لطبيعة الاختيارات التي انتهجها التحالف الحكومي، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، والذي منذ ما يزيد عن العقدين، ظل يتجاوب فقط في توجهاته السياسية العامة لتعزيز سيطرة قوى المال واستفادتها من السوق الوطنية التي لا تملك الحكومة أي مبادرة في للتحكم فيها، وتوجيهها وفق التوازنات الاجتماعية المطلوبة.

وحين ينادي عاهل البلاد بمشروع الحماية الاجتماعية، لإعادة تمتين لحمة المجتمع،  على أساس القاعدة الواسعة لغير المحميين اجتماعيا، من القوى المنتجة والطبقات المتوسطة، والتي تناهز 22 مليونا من المغاربة، لتأمين عمليات استشفائهم وعلاجاتهم وتمتيعهم بمعاشات أو التعويض عن فقدان العمل. هنا يستيقظ السياسيون من سباتهم والالتفاف على المبادرة لإنتاج خطابات ولكأنهم اكتشفوا العجلة.

يحق لنا الاعتراف، بأن قوانا السياسية، ظلت عاجزة عن تقديم مشاريع قابلة للإنجاز، لما ينبغي أن يكون عليه هذا المغرب، لتجاوز ارتدادات الأزمات، في التعليم والصحة والشغل والعلاقات المهنية والاستقرار الاجتماعي، المطلوب لشروط التنمية المستدامة. واستحضار أهداف التقليص من الفوارق الاجتماعية، البينة وتوسيع مشاركة الناس في النسيج الاقتصادي والاستفادة من ثمار تطوراته ومنافعه.

لكن في المقابل، نجد أن الخطابات الملكية ظلت على مدى العقدين الأخيرين، تنصت لنبض المجتمع ومطالب فئاته الأكثر حرمانا، وتثير انتباه الفاعلين السياسيين، لضرورة تطوير أدائهم بالنجاعة المطلوبة، وعدم هدر الوقت في الملاسنات، التي لا تنتج خبزا ولا تداوي مريضا ولا تساند معوزا، في ضمان حقه في عيش كريم يليق بتضحيات شعبنا العظيم.

وفي خضم كل هذه الأزمات الاجتماعية، ظلت المؤسسة الملكية، تقود ثورة ناعمة وهادئة، للانتقال بهذا المغرب المعاصر، إلى الدولة الحديثة  لكن هذه الحداثة، لم تدعمها القوى المؤهلة سياسيا وتاريخيا، لإنجاز مهام الانتقال الديمقراطي، حيث تغلبت في أوسطها النزعات النفعية والانتهازية، التي ارتأت في مشاركتها في تدبير الشأن العمومي، حصد الامتيازات والمكاسب المالية، التي مكنتها من الارتقاء الاجتماعي وإحداث القطيعة بينها وبين عموم المواطنين.

هذه التعثرات المسجلة على المسلسل الديمقراطي، لن يكون بالإمكان تجاوزها إلا بنخب سياسية ووطنية ومؤمنة بخدمة البلاد والعباد وليس استخدام الناس وتحويل العمل السياسي مصدرا من مصادر الثراء كما يحدث الآن.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *