ما الفكر الذي يخدم البشرية؟

ما الفكر الذي يخدم البشرية؟
شارك

عبد العزيز شبراط

أشرنا في مقال سابق كان عنوانه  » كيف يفكر الإنسان »، إلى أمرين أساسين يصنع الفرد عبر أحدهما أفكاره، أحدهما يكتفي بخلط الأفكار التي بحوزته، أو بشكل أدق التي برمج عليها، حتى يصبح  يعتقد جازما أنها له، وأنه هو من صنعها، والآخر يعتمد أدوات علمية  في صنع الافكار والإبداع فيها.

 ونواصل اليوم على نفس المنوال، حيث سنسوق تباعا سلسلة من المقالات، بعض الأسماء التي استطاعت أن تغير العالم بفضل قدرتها على إنتاج الافكار الجديدة والإبداع في مسارها، لكن قبل ذلك، من الضروري كذلك أن نؤكد، أن الإبداع كيفما كان شكله وصفاته ومجالاته، لا يولد و ينمو و يخرج للوجود، إلا في ظل الحرية والاطمئنان وعدم الخوف أولا، ثم لا بد له أيضا من بيئة سليمة من الأفكار الجاهزة، وخالية من الوصاية والتوجيه، ونعلم جميعا أن ما يضر مجتمعاتنا العربية الاسلامية، هو ذاك الفكر الجاهز، الذي يحاط به المولود منذ نشأته إلى أن يلقى ربه، منذ أيامه الأولى حتى قبل أن يتعلم الكلام، يحاط بعدد كبير من التنبيهات والاحتياطات، وسواء من أفراد أسرته الصغيرة أو الأقارب والأحباب والمجتمع، من مدرسة و إعلام موجه وتلفزيون و غيرهم…؛ وهكذا ينشأ الفرد وهو مُحَملُ بمجموعة من الافكار الجاهزة، تحاصره وتضايقه حتى في منامه، وتجعله يستيقظ مذعورا إن هو حلم بأمر يخالف ما تمت برمجته عليه، وفي مثل هذه الشروط لا يستطيع الإنسان أن يبدع، إلا نسبة قليلة، تكون لها الجرأة الكبيرة، للتخلص من الافكار الجاهزة والتمرد عليه، أو تغادر إلى بيئة سليمة لتبدع وتنتج الافكار الجديدة والحديثة، لا بد أن نشير أيضا في معرض هذه الملاحظات، أن كل المبدعين المغاربة، والذين يحتلون اليوم، مواقع هامة في أعلى هرم الشركات العملاقة، أو في مراكز القرار بالحكومات الغربية، ما كانوا لينجحوا في الوصول الى تلك المواقع، لولا البيئة السليمة التي وفرت لهم شروط الابداع والتفوق.

لا أحد في العالم بأكمله يجهل الشركة العملاقة GOOGLE، حتى عامة الناس حينما يجدون أنفسهم أمام أمر غامض عليهم أو لا يعلمونه، يمازحون بعضهم بعضا بالقول: » لنسأل الشيخ GOOGLE »، ومن هو المدير التنفيذي لهذه الشركة العملاقة؟ ليس سوى « ساندر بيتشاي » ( Sundar Pichai) من مواليد 12 يوليوز 1972 مهندس كمبيوتر أمريكي من أصل هندي، يشغل اليوم المدير التنفيذي لهذه الشركة العملاقة منذ 0 غشت 2015، عمل والده مهندس كهرباء في شركة صغيرة  » جنرال الكترونيك كومباني » البريطانية، بينما عملت أمه في الكتابة الاختزالية، وكانت عائلته من الطبقة الأقل من المتوسطة، إذ لم تكن عائلته تتوفر على تلفاز أو سيارة وتعيش في شقة صغيرة لم يحظ فيها بغرفة خاصة، حيث كان يتقاسم و شقيقه الاصغر نفس الغرفة، وكانت الاسرة تعتمد في تنقلاتها على النقل العمومي، إلى أن اشترى أبوه دراجة نارية، من ونوع لامبيرتا، وهي دراجة نارية تمتاز بشهرة خاصة في الهند، وكانت الاسرة المكونة من الوالدين والشقيقين تستعملها، حيث يتولى الاب القيادة وأمامه ساندار والمقعد الخلفي يحمل الأم والشقيق الاصغر، وأتم ساندار تعليمه الثانوي بمدينته، وتخرج من المعهد الهندي للتكنولوجيا في كاراجبور سنة 1993، و منحه تفوقه في التخرج منحة للدراسة في « جامعة  ستانفورد » الأمريكية المرموقة، ولم تجد الأسرة أمامها من حل ليتابع ابنها دارسته في الجامعة إياها، بعد عجزها الحصول على قرض لتكلفة التذكرة، سحب والده الف دولار من مدخراته وهو مبلغ يتجاوز راتب الأب خلال عام كامل من العمل، كان الوالدين يطمحان ليحصل ساندار على الدكتوراه و يواصل حياته أستاذا جامعيا، لكنه بعد فترة غير طموحه واشتغل مهندسا وهو ما فاجأ أالوالدين، ولكنه بعد فترة نال الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بنسلفانيا، وفي الأول من أبريل من سنة 2004 خاض ساندار مقابلة في شركة GOOGLE وفاز بالوظيفة وتحمل حينها مسؤولية نظام التشغيل اندرويد، وصف لاري بيج أحد مؤسسي GOOGLE ساندار يوم ترقيته للإشراف على الاندرويد، بأن لديه الموهبة لابتكار منتجات ممتازة تقنيا وسهلة الاستخدام، ويحب الرهان الكبير، وواصل ساندار ابتكاراته في هذه الشركة، ولطالما لقيت ابتكاراته في البداية معارضة من المؤسسين، لكونها كانت تبدو غيرربحية، لكن سرعان ما تظهر أهميته ولا أدل على ذلك، تفكيره في انتاج المتصفح   Google chrome سنة 2008 حينها لم يصدق أحد أن هذا المتصفح سينجح، ويتخذ له مكانا أمام انترنيت اكسبلورر وفاير فوكس، لكنه اليوم هو المتصفح الأول عالميا ويستعمله الملايين من المستخدمين، وتميز ساندار بصدقه في العمل وتواضعه بين زملائه العاملين بجانبه، لم يعتبر نفسه يوما هو الرئيس بل كان ايمانه قويا بعمل الفريق، وكان يدرك جيدا أن العمل على شكل فريق هو من يقود إلى النجاح وإلى الابتكار والإبداع، بمعنى آخر ما كان يوما يعتبر نفسه وحده يملك الحقيقة، ( كما يفكر العديد من شيوخنا الذين يفرضون علينا أفكارهم، وإن لم نقبلها يصفوننا بالكفار والمرتدين)، وتوالت انجازاته وابداعاته من شريط أدوات Google مرورا ب Google chrome وخرائط جوجل وخدمة البريد الالكتروني Gmail ثم Google photos والمساعد الشخصي الذكي Google Now ، والعديد من التطبيقات الأخرى وهي كثيرة …

يتسم هذا المبدع بالقدرة على التفكير النظري والعملي في آن واحد، حيث قال بشأنه لاري بيج:  » أعلم أن ساندار سيركز دائما على الابتكار، مواصلا توسيع حدوده، أعلم أنه شغوف جدا بإمكانية مواصلتنا الإقدام على خطوات كبيرة في مهماتنا الأساسية في تنظيم بيانات العالم »، وبلغ راتب ساندار سنة 2020 مليوني دولار إضافة إلى  خمس ملايين دولار كتعويضات .

 ويعرف الجميع أن GOOGLE هي شركة عملاقة وليست فقط محرك بحث، كما انطلقت أول الأمر، بل أنها اليوم تمتلك من التطبيقات ما يُمَكِّنها من جمع العديد من البيانات والتي على أساسها تحظى بقدر هائل من المال عبر المستشهرين، كما أن مجالات اشتغالها لا تنحصر على مجال الويب بل تتعداه إلى البيوتكنولوجي، السيارات ذاتية القيادة، google fibre،DeepMind Technologie المتخصصة في الذكاء الاصطناعي…

إن الأفكار الإبداعية لهذا الشخص الذي عرف كيف ينتج الأفكار، ويبدع منتجات عظيمة ورائدة، ساهمت بقدر كبير في تغيير نظرة الناس للعالم، كما قدمت أفكاره العديد من التطبيقات الذكية، التي جمعت حولها  العديد من المستخدمين، كما ساهمت أفكاره في إسعاد البشرية، ولم يفكر يوما في تكرار الأفكار الجاهزة، التي لا تنشر في هذا العالم سوى التخلف والتأخر.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *