الداعية الإسلامي وعلاقته بالتكفير في العصر الوسيط العربي
علال بنور
ترك لنا تاريخ الدول العربية الإسلامية مآسي في احداث تفوق تصور العقل، ساهم فيها وقادها دعاة الدين المتزمتين باسم الحفاظ على تعاليم الإسلام، فأفتوا في قتل اخوتهم في الدين والانتماء الجغرافي، فأعطوا لأنفسهم حق الوصاية الإلهية فكفروا كل من اعطى للعقل أهمية في تفسير الظواهر الاجتماعية، وقراءة الدين الإسلامية قراءة بمنهج علمي.
سجل التاريخ، أن الكثير من الفلاسفة وعلماء الدين الإسلامي تعرضوا للتكفير والتنكيل، فأصبح التكفير تهمة ألصقها الفقهاء بالمتنورين، فكل من دعا الى تحكيم العقل في قراءة النصوص الدينية اتهم بالإلحاد واحرقت كتبه، فكم من تراث فكري وعلمي احرق باسم الدين، كما تعرضت كتب المتنورين للحرق واجسادهم للتنكيل والتقطيع، وزهقت ارواحهم وعلقت رؤوسهم على أبواب المدن، بل بعضهم رجم الى حد الموت في الساحات العمومية، كل ذلك بمباركة الحاكم العربي المسلم.
يذكرنا تاريخ الذهنيات العربي المتنور، انه عانى من الحصار المقهور في بلاد المشرق العربي وشمال افريقيا والاندلس. فانتشر كتقليد وموضة تكفير السؤال والشك وعدم اعمال العقل، أسلوب دأب عليه تجار الدين منذ الخلافة الوراثية الى اليوم.
وللحفاظ على هذه الذاكرة المنسية، غير المدرجة في مقررات مدارسنا وغير المعلن عنها عبر وسائل الاعلام الرسمي، سنشير بأسف الى بعض الاحداث المخزونة في كتب تاريخ العصر الوسيط العربي الإسلامي.
-القتل والتنكيل: عبد الله بن المقفع قتل 759م من أصل فارسي عاصر الخلافة الاموية والعباسية، انتهت حياته بطريقة وحشية، قطعوا اطرافه في المشواة فأجبروه على اكلها، وهو لم يتجاوز سن 30 من عمره، الى أن فارق الحياة، الحسين بن منصور الحلاج قتل 922 م عاش في العصر العباسي اتهم بالألوهية صلب بسبب تصوفه، أبو حيان التوحيدي توفي 1023 عاش في بغداد، اتهم بالإلحاد فاجبره المتزمتون بحرق كتبه بنفسه. اما السهر وردي عاش في عهد الدولة العباسية من أصل فارسي، قتل 1191م بسبب أفكاره الفلسفية. الجعد بن درهم من أصل خراساني، قتل ذبحا 724م اتهم بالإلحاد، عاش في دمشق في العصر الاموي، بعد نزوله من منبر خطبة عيد الأضحى اجهز عليه القاتل بفصل رقبته. لسان الدين بن الخطيب قتل 1374م، من أصل اندلسي قضى معظم حياته بغرناطة، هجر الى المغرب في العصر المريني درس الطب والفلسفة بجامع القرويين بفاس، تميز بالموسوعية اتهم بالإلحاد، اغتاله الاندلسيون خنقا بالسجن دفن، ثم اخرجوا جثته من قبره فأضرموا النار فيها، ثم اعادوه الى القبر. محمد بن جرير الطبري توفي 923م لقب بإمام المفسرين، اتهمه الحنابلة بالإلحاد بسبب اختلافه المذهبي مع الامام ابن حنبل، فرجم الحنابلة بيته بالحجارة في حصار الى أن توفي فدفن ليلا. قتل جابر بن حيان الفارسي الأصل متهما بالإلحاد 815 م، عاش في العصر العباسي فبرع في علم الكمياء.
-العمل في خفاء: أبو العلاء المعري شاعر وفيلسوف، عاش في العصر العباسي توفي 1057 م، المعروف بسجين المحبسين، كان ضريرا وفي نفس الوقت فرض عليه الإقامة الجبرية بالحظر، من طرف الفقهاء نظرا لأفكاره الفلسفية، فلصقت به تهمة الإلحاد. اخوان الصفا وخلان والوفاء، عاشوا في العصر العباسي هم جماعة من الفلاسفة المسلمين، اشتغلوا بالفلسفة في خفاء خوف من تنكيل الفقهاء بهم.
-تكفير العلوم العقلية: اعتبر الفقهاء العلوم الطبيعية والكيميائية والفلسفة والمنطق من العلوم المحرمة شرعا، اعتبروها بمثابة السحر والتنجيم، ومن حملة الفتاوي التكفيرية التي تبيح القتل، الغزالي وابن قيم الجوزية وابن تيمية، أفتوا بتكفير كل من يمارس العلوم العقلية في مقدمتها الفلسفة.
-حرق الكتب والمتابعات: احرق الفقهاء المتزمتين كتب الفقيه والفيلسوف ابن رشد، ولد ابن رشد في قرطبة 1126 م وتوفي بالمغرب 1198 م ،شرح كتابات ارسطو فاشتهر بكتابه » تهافت التهافت » و » فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال » ،اكد على التفكير المنطقي والتحليلي ،كشرط لتفسير القرآن، كما آمن بقدم العالم وازليته، كفروه كما كفروا الرازي لأنه اعلن رفضه لكل مذاهب شيوخ الدين ،فكان يسخر منهم في مجالسه العلمية .احرق الفقهاء كتب ابي حيان التوحيدي ،بل اجبره الفقهاء على حرق كتبه بنفسه ،احرقت كتب الاصفهاني والفارابي من اصل كازاخستان ،توفي 950 م فيلسوفا اهتم بالطب والمنطق ،لذلك لقب بالمعلم الثاني بعد ارسطو، ميز بين النبي و الفيلسوف ، فالأول معارفه منزلة والثاني معارفه حقائق عقلية، كما عرف بنظرية الفيض التي اعتمد في وضعها على أسس علم المنطق فسر بها الخلق .الكندي عراقي الأصل ،ولد بالكوفة توفي ببغداد 873 م، برع في الفلسفة والطب والمنطق والرياضيات والفلك ،حظي بعناية الخليفة العباسي المأمون والمعتصم بالله ،غير انه اضطهد في عهد الخليفة المتوكل ،لأنه دعا الى أن العقل جوهر التقرب الى الله ،كما اعتبر أن الكون خالد وأن الاجسام لا تبعث وأن الله يعلم المسلمات المجردة .
ولد ابن سيناء في أوزباكستان وتوفي في بلاد فارس 1037 م، فيلسوفا وطبيبا بارعا، اعتبر أن العالم قديم ازلي لم يخلقه أحد، وأن الله يعلم الكليات لا الجزئيات. ولد الحسن بن الهيتم بمدينة البصرة توفي بالقاهرة 1040 م، ألف أكثر من 200 كتاب في علم الرياضيات والفلك والفيزياء والهندسة والفلسفة، كما كان يقول بقدم العالم مثل ما ورد عند ابن سيناء وابن رشد.
كم نحتاج الى دراسة تاريخ الذهنيات، خاصة في علاقة الداعية الديني في تكفير علماء الإسلام، كما نحتاج الى المزيد من النبش في تاريخ التنكيل والقتل الذي تعرض له علمائنا، بمباركة الحاكم العربي المسلم.