توفيق وغربة الذات…
بقلم نور الدين النبهاني.
توفيق شاب مغربي لا يربطه باسمه أي علاقة.. فهو لم يوفق في دراسته وكان من ضحايا الهدر المدرسي. ولم يوفق في غربته وكان نصيبه الطرد من أرض المهجر ..و لم ينجح في زواجه الأول ولا الثاني.. ولم يفلح في حياته أبدا.
أدرك في زواجه الأول أثناء العرس أن ذاك الزواج لن يستمر طويلا ..حين اختلفت والدته مع حماته حول الحبل الذي كان يجر به البقرة ..كلتاهما اعتبرته من حقها.. وساندت العروسة والدتها.. واضطر هو إلى مساندة والدته.. واستمر الخلاف طوال شهر العسل.. الى ان تقدمت زوجته بطلب الطلاق للشقاق.
أما زواجه الثاني الذي تدمر ودمر معه حياته ومستقبله بأرض المهجر.. تلك حكاية بلا نهاية .
حين فشل زواجه الاول مل الوحدة والفشل والعيش بالمغرب فقرر الهجرة، حيث تسلل إلى بريطانيا أيام كان الدخول بدون تأشيرة يكفي أن تحمل معك جواز سفر.. تسكع طويلا الى أن تعرف على مواطنة بريطانية ممرضة بالمستشفى العام، فزوجته نفسها، وتزوج بها ..أثمر زواجهما عن طفل سمياه جوزيل .. حينئذ تعرف على جماعة إسلامية أثروا عليه ..وجعلوه على هيئة غريبة.. لحية طويلة ..وجلباب قصير.. وأغلب الكلام عن الدين و نشر الدعوة .
ذات صباح غافل زوجته.. وسرق طفله ..وقاده رفقة جماعته إلى طبيب باكستاني مسلم ..أجرى للطفل عملية الختان.. وكان سعيدا بنجاح العملية.. لكن الزوجة حين علمت بالأمر أقامت الدنيا ولم تقعدها.. واعتبرته اعتداء بشعا، على حياة طفلها و على حقوقه.. وأقامت دعوة ضد زوجها و جماعته.
علم توفيق من خلال محامي الجماعة أن الأمن يتعقبه لمحاكمته و ترحيله إلى بلده المغرب.. ففر هاربا إلى فرنسا و منها إلى ايطاليا.. مخلفا وراءه كل ما بناه خلال عدة سنوات.. تاركا ابنه.. حاجياته.. آماله.. ومستقبله.
في دولة ايطاليا لم يجد عملا ولا سكنا ولا ترحيبا وهو لا يملك أوراق الإقامة بها.. مطاردا من طرف الأنتروبول ..فأوته الجماعة بأحد مساجدها.. على أن يقوم بمهمة الآذان وتنظيف المسجد والإقامة فيه مقابل الطعام و اللباس ..وهكذا تحول من يد عليا إلى يد سفلى.. تتلقى الإعانة وتعيش على الصدقات.
وعاش ضعيفا ..متخفيا بين جدران المسجد، وهو يعلم أن المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وها قد أصبح فقيرا وضعيفا إلى حد التسول من المصلين ..
واستمر على هذا الوضع ثلاث سنوات، مقيما بالمسجد يقضي وقته بين الآذان و الصلاة وبين المصحف والسواك وتنظيف المسجد، خارج أوقات الصلاة.
ذات صباح نفذ صبره.. وتلاشت صلابته ..ولم يجد حوله لا كبرياءه ولا كرامته.. فانتفض مسرعا وسلم نفسه لرجال الأمن.. الذين قاموا بنقله إلى بريطانيا.. وبعد المحاكمة تم ترحيله إلى المغرب على أن تتابع قضيته في بلده و عبر محاميه.
وقف توفيق يطل من نافذة بيتهم بمدينة بني ملال ..وهو يرى جبالا بعيدة مكسوة قممها بالثلوج.. كان يطل وفي مقلتيه حزن.. وبين طيات روحه عبء النحس الذي يطارده.. كلما بنى حلما تهاوى وكلما أسس مشروعا فشل.. وانتهى به الأمر أجيرا بمعصرة لزيت الزيتون ..بعد أن يئس من القضية التي ظل يترافع فيها لعدة سنوات ويحلم بالفوز فيها على زوجته وعلى قوانين بريطانيا.. وعودة ابنه جوزيل إلى حضنه والذي كان يسميه » أبو الجوزاء ».
قرر توفيق أن يتزوج للمرة الثالثة.. والكل يقول له:
« الزيجة الثالثة ستكون ثابتة إن شاء الله «
لكن الزوجة التي تتوافق مع أحلامه، ولا تقل جمالا عن زوجته البريطانية، كانت لها شروط. .سكن مستقل ..يتوفر على الويفي.. المهر ..هاتف ذكي آخر ما جادت به تكنولوجيا العصر ..لا شأن له بمرتبها الشهري.. ولا بطريقة هندامها.. والتزامه الشامل بكل ما يأتي في وثيقة الشروط المرفقة مع عقد الزواج.. ومن خلال الشروط تبين لتوفيق بأنه لن يتوفق في مشروع زواجه.. وأن تلك الشروط التعجيزية لم تكن إلا رفضا قاطعا بطريقة لبقة، فاعرض عن الزواج ، انتشر خبر فشل زواجه، فانهالت عليه عروض ومقترحات لنساء من شرائح اجتماعية مختلفة، كانت آخرها العرض الذي تقدم به صاحب المعصرة، حيث اقترح أخته الأرملة التي تربي ثلاثة أطفال والتي لها نصيب ميراث في المعصرة والبيت، جاء العرض متأخرا كثيرا بفعل السنين، فقد خمدت شمسه وانطفأ قمره وغاب الضياء عن سماه، ولم تعد له أي شهية للنساء، فقد عاف الزواج وانغمس أكثر في العبادات، لكن بعيدا عن الجماعات .