في المحن الكبرى يعود البشر إلى إنسانيتهم المفقودة يا ريان

في المحن الكبرى يعود البشر إلى إنسانيتهم المفقودة يا ريان
شارك

فؤاد الجعيدي

كان يكفي فقط أن يسقط طفل في ربيعه الخامس، في غياهب الجب العميق، في إحدى مناطق الريف النائية من هذا الوطن. حتى تتحرك كل عواطف الناس ومن كل الشعوب والديانات بالدعاء لهذا الصبي الذي ظل وحيدا في قاع الحفرة العميق، لكن خارجها كانت أنفاس الناس تضييق..

إنها ملحمة بكل المقاييس.. اشتغلت آلات الحفر والجرافات ليل نهار لدك الجبل وفي كل مرة يحيا الأمل ويخبو، لكن هناك إرادة واحدة وإيمان ثابت أن تصل القلوب إلى احتضان ريان.

رجال في الواجهة وفي عز الأزمة يحضرون.. سلطات محلية ووقاية مدنية ودرك ومئات الصحافيين من كل قنوات الدنيا باتت ترابط في هذا المكان الصخري، من أجل ريان الذي غدا رمزا لكل معاني التضحية والصمود. لكن المواجهة المباشرة اقتضت استدعاء خبراء لدراسة جيولوجيا المكان ووضع كل الاحتمالات التي يفرضها الوضع الصعب..

هكذا فجأت انتفض الناس وشدوا الرحال، إلى هذا المكان البعيد، ليكونوا شهداء على هذه التعبئة الوطنية التي يعبر فيها المغاربة عن استعدادهم الأصيل في التضحية من أجل أن يحيا ريان.. أطفال أتوا إلى هاهنا من أجل النزول إلى قاع الجب، من تطوع لم يسعفه ضيق قاع الحفرة.. سائقو الجرافات، يتشبثون بالعمل ليل نهار ويرفضون النوم.

الشعوب العربية تتقاطر منها عبارات المواساة ومشاعر التضامن الناذر في هذه الأحوال الحرجة.

بمواقع التواصل الاجتماعي، لليل نهار ودقيقة بدقيقة أخبار تتناسل بالاحترافية وغيرها هناك من وجد في المأساة مناسبة لبث أخبار كاذبة، لكنهم يظلون فئة معزولة تتلاشى أكاذيبها..

في قاع الحفرة العميق تنزل عين الكاميرا، تلتقط اللقطات عن ريان الجريح، ريان الصامد منذ أيام يمد من الأعلى بالأكسيجين، ويقاوم في الظلمات وفي الخارج ملايين البشر تشد أنفاسها وتدعو الله ليحيا ريان.

الحفر العمودي ابتدأ، ويحتاج إلى دقة متناهية للنبش الحذر في هذا الصخر الذي استدعى كل الخبرات في التعاطي مع هذه الأوضاع القاسية.

تشكلت خلايا وطنية في الإنقاذ لتتبع كل الاحتمالات وأتى الحفارون اليدويون من عمق الصحراء المغربية لإنقاذ ريان.

في الشرق العربي ارتفعت الأكف للسماء من البيت الله الحرام، وفي كل البيوت العربية وتبخرت الأحقاد وتآلفت القلوب، ليغدو ريان ابنا عربيا بامتياز تشع منه الرحمة وتتوزع بين أطفال هذا الجيل العربي الذي حرم من العواطف الإنسانية ونشأ في خضم الأحقاد والصراعات التي كانت تعمق شرخ الجراح في أجسادنا.

الأطفال تغنو بك يا ريان وزفرات أفئدة الأمهات تنزف حبا وألما لك، وفي عذابك وفي وحدتك كنت تنشر بين الناس سلاما وتراحما كم افتقدنا في عز انتشار وباء لعين حرمنا من الاحتفاء بموتانا كما كان ينبغي.. لكن سيرتك أيها العظيم فينا سارت على ألسنة كل شعوب العالم التي تعيش معك بأنفاسها لحظات الأمل القوي للخرج عاليا منتصرا لقيم الوجود في الحياة والتراحم بين الناس.

نساء ورجال تطوعوا لإطعام الناس العاملين في هذه الجبهة التي لم تكن سوى اختبار لله فينا، كل واحد يجد معنى لحضوره في هذه الملحمة للتعبير عن التضامن الإنساني الجميل..

الناس من مختلف الديانات والعقائد يتضح من خلال هذه المأساة أن القيم الإنسانية واحدة من حيث تقدير الحياة والعيش فيها بأمن وسلام.

لذلك لم تكن يا ريان سوى رسالة إلى كل البشر، وأن حكايتك ومحنتك لن تموت في قلوب الناس بعد هذا الخطب العظيم.

كيفيا اليوم أن سيرتك حاضرة في كل ربوع العالم والقنوات العالمية تتابع حدث خروجك من القاع سليما، سليما وسالما فأنت الحياة,

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *