العنف والتحرش، وتداعياتهما الاجتماعية المقلقة

العنف والتحرش، وتداعياتهما الاجتماعية المقلقة
شارك

الأستاذة سعاد شهاب الدين

  » إن صورة الوضع بالمغرب، ليست مشرقة تماما، ولا قاتمة بشكل يتعذر تصحيحه » من المغرب الممكن.

فالمغرب يعرف تطورا غير مسبوق في مجالات كثيرة، بفضل التراكمات المؤسساتية والمستوى المرموق الذي أدركه العنصر البشري ّذو الطموح والجدية. ولقد قطع المغرب أشواطا كثيرة، لإدراك هذه المرحلة من نضج الأوضاع الوطنية. فلم تأت هذه النتيجة إلا بفضل جهود ومساهمات نساء ورجال المغرب على السواء داخل المغرب و خارجه، حيث لعبت المرأة دورا حاسما. فقد شغلت مكانة مرموقة إلى جانب الرجل في مواقع القيادة والريادة وتدبير الشأن المحلي والوطني، وتمثيل المغرب في المؤسسات الدولية وغيرها من المناصب. وموازاة مع هذه الوضعية المشرقة عرف المغرب اختلالات ونقائص متراكمة ومتفاقمة في مجالات شتى، حيث لم تتناول هذه الأخيرة مقاربات تمكنها من المضي قدما، بل عرفت اخفاقات وانتكاسات متتالية ومن أهمها الوضعية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها لأسرة، نواة المجتمع والتي أصبحت تتأرجح في عالم الماديات و التفكك و التشتت الاجتماعي بكل ما يعنيه وما يحمله من معنى. ففي خضم هده التطورات الإيجابية منها والسلبية تغيرت تركيبة الأسرة وتفكيرها وهيكلتها ونظامها وممارستها ومسارها…. وقد حاولت الأسرة المغربية، الملقاة وسط هذه التيارات، العمل على التوافق ومحاولة الانسجام مع إرثها والمتغيرات الطارئة و كذلك الاجتهاد والمثابرة لتدبير واستساغة هذه التطورات و التحولات الاجتماعية تحت وطأة صراعات متفرعة. ومن بين الظواهر التي تؤرق المجتمع المغربي والتي ما فتئت تتزايد وتتفاقم  » ظاهرة التحرش بكل أنواعه والعنف عامة وفي جميع الأمكنة، في المنزل، في العمل، في الشارع.  ففي التحرش أفعال تنتهك خصوصيات الأفراد وتجعلهم يشعرون بعدم الارتياح، أو التهديد أو عدم الأمان أو الخوف أو عدم الاحترام أو الترويع أو الإهانة أو الإساءة أو الترهيب والتسلط و التظلم. فالتحرش، فعل دنيء يمارس على النساء والأطفال وعلى كل شخص في وضعية ضعف وعدم المساواة.  كما ارتبط التحرش بالجانب الجنسي – التحرش بالمرأة- لكن أرض الواقع ترصد ممارسة التحرش والعنف بأنواعه على طبقات مختلفة من المجتمع.  وفيما يخص تعريف العنف فهو كل سلوك مؤد للأخرين. وفي كل الأحوال فالمعاناة خطيرة سواء كان الاعتداء جسديا أو نفسيا أو لفظيا. وواقعنا يبرز مصطلحات أخرى منفصلة، لكنها مرتبطة ببعضها في الأفعال والنتائج والتكلفة. و من أجل التصدي لأمراض المجتمع المضنية تكتلت جمعيات ومنظمات محلية ودولية ومؤسسات وغيرها من أجل المواجهة والحد من هذ الظواهر المخزية، بدراسة تجلياتها و إحصاء الضحايا وتطور أعدادهم ووضع قوانين صارمة من أجل زجر المجرمين.

. وقد أوضحت دراسة رسمية أشرفت عليها وزارة الأسرة والتضامن والتي تم انجازها على مستوى 12 جهة بالمغرب، امتدت من يناير 2019 الى مارس 2019، أن نسبة انتشار ظاهرة العنف تقدر ب 40.54 في المائة.

فما هي أسباب، تفشي هذه الظواهر الشائنة؟

 لقد أقيمت دراسات وورشات من طرف المغرب و دول أخرى

– فالآفة عالمية – لتفحص الأسباب والمسببات لوجود ظاهرة التحرش بأنواعه، والذي يقترف خصوصا في حق المرأة. لقد تم رصد وتسجيل ما يلي:

-انهيار منظومة القيم و ضعف الوازع الديني و الدافع الأخلاقي، -الشتات العائلي، الإهمال الأسري للأبناء في التربية السليمة، –

 سهولة الوصول الى أفلام رديئة عبر الأنترنت غير المراقب، و هذه الأفلام مفسدة للأخلاق ومساعدة على انتشار الفواحش.

–انتشار البطالة وخاصة بين الشباب، مما يساهم في بعض الأحيان في تفشي الإدمان والأقراص المهلوسة، مما يؤدي إلى ظهور اضطرابات وأمراض نفسية لدى بعض الأشخاص، فيؤدي ذلك إلى تغيير السلوك بتفشي النزعة العدوانية،

 -سلبية المجتمع في كثير من المواقف التي تتطلب أن يكون له فيها دور هام،

 – ضعف الأحكام القضائية بسبب عوامل مختلفة وصعوبة إثبات التحرش

. فما هي نتائج هذه الظواهر الاجتماعية المكلفة؟ نكتفي بسرد ما يلي : 3 –

 السقوط في العزلة الاجتماعية والقلق والتوتر والإحساس المستمر بالخوف والرعب وغياب ردود الفعل لتوالي الانكسار والإحباط فضلا عن الشعور بالظلم والقهر والإهانة، – تكرر الكوابيس ليال ونهارا لعدم تقبل فكرة عدم انصاف مظلومة بسبب ثغرات في القوانين أو أسباب أخرى:

 -الإصابة بأمراض نفسية مثل الوسواس القهري والدخول في دوامة الاكتئاب.

-ظهور الألم في كل الجسم وخاصة الرقبة والظهر، -صعوبة ممارسة حياة طبيعية،  وتتفاوت ردود الفعل حسب الطبيعة الشخصية والتركيب النفسي للمعتدى عليهن وحسب المحيط أو الوسط الذي يعشن فيه. فماهي الإجراءات والتوصيات، التي يمكن أن تحد من هه الظاهرة البغيضة ؟

– وجوب وإلزامية توجه الضحية المشوشة والمرتبكة وغير القادرة على اتخاذ أي إجراء إلى الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، الناشطة والمعنية بهذه الظواهر. فهذه الأخيرة تقدم الدعم النفسي، رغم صعوبة لملمة الجروح. كما أنها تساعد في عملية الإبلاغ عن الحادث وتتبع الملف. فخالفا لهذه التوصيات، أوضحت الدراسة السالفة الذكر أن نسبة لجوء النساء لوضع شكاية ضد العنف تقدر فقط ب60.6 في المائة.

– 4 تكثيف البرامج الإعلامية لتعريف المواطنين بما يجب عليهم فعله حين وقوع حادثة تحرش. بالإضافة إلى العمل على استمرارية حملات وقف العنف والتحرش.

– العمل على زرع قيم الدين في الفرد، منذ نعومة أظافره حتى تقوم الحياة على أساس الأمن والأمان و -الطمأنينة والاستقرار

 – الضرب على أيدي المجرمين بأقصى العقوبات السجنية، -تثقيف المجتمع و تسليحه بالإيجابية حتى يقوم بواجبه اتجاه الأحداث، -التوعية من البرامج المسيئة للفرد خاصة والمجتمع عامة.

وضع مقاربة شاملة لمكافحة هذه الآفة مع رصد ميزانية كافية لتحديد الأهداف المسطرة في إطار خطط، لتنجز في جدول زمني مدروس مع العمل على تقييم النتائج باستمرار

« وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت  //     فإن هم ذهبت أخالقهم ذهبوا »

ورغم شرح الأسباب و المسببات وسرد النتائج وتوضيح بعض الحلول الجزئية إلا أن الإحساس الذي تعيشه المرأة التي طالها التحرش، لا تعرفه إلا هي. فإنها فقدت الثقة في القوانين الموجودة لصعوبة إثبات الفعل ولوجود ثغرات يعرفها متمرسي المهنة. فتحبط الضحية – الأم والأخت و الابنة.

– من النتائج غير المرجوة والتي تتطلب وقت إعادة النظر في الواقعة وهدا الانتظار يصاحبه اليأس والمرارة والإحساس بخسارة قضية هي المبدأ الذي تعيش من أجله أجيال: المساواة وإظهار الحق، بل وإرجاع الحق لصاحبته لنصرتها. ومع الجروح الدامية، فالمرأة تشكر أخيها الرجل الذي آزرها في محنها.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *