الشيخة والفقيه : الراقصة و السياسي، الجنة والنار

الشيخة والفقيه : الراقصة و السياسي، الجنة والنار
شارك

بقلم سدي علي ماء العينين

أجمل ما في شهر رمضان ، وجعله غير كل الشهور ، ليس ما ذكر في القران فحسب، ولا ما فيه من احسان فحسب، أجمل ما في هذا الشهر هي  طباع الانسان، تحس وكأنه أول مرة يعيش عمرا له نهاية ، فيتصرف وفق تلك النهاية ، في باقي الاشهر تتداخل الايام،  فلا نحس أحيانا بنهاية شهر وحلول اخر ، لكن في رمضان حتى لو نسيت يذكرك العيد والافطار..

طيلة هذا الشهر يبدأ العداد،  بين من لم يقرب المصحف حتى شهر رمضان ، فيعد الاحزاب والسور والآيات كي توافق اخر ايام رمضان أو ليلة القدر.

وآخرون يتعقبون حلقات مسلسلهم المحبوب وكلهم ثقة أن الحكاية مهما تطورت أحداثها فلن تنتهي إلا في ليلة العيد حسب شهر رمضان إذا اكمل الثلاثين .

وحتى في المساجد ، كل أمام يعد حصصه بين الائمة الذين يتناوب معهم على صلاة التراويح،  و يلائمون الآيات مع عدد الركعات،  ويتركون الباقي لقيام ليلة القدر وختمها،

وفي المطبخ تبدو الذخيرة في النقصان مع مرور ايام الشهر، فيبدأ الحساب عن ما يجب أن يضاف وما يجب أن يستهلك، وما يجب أن يحضر ليوم العيد .

حتى منظمو دوريات رمضان في مختلف الرياضات، لا هم لهم سوى ضبط إيقاع الاقصائيات  و النجاح في الوصول إلى المباراة النهائية قبل ليلة العيد ، فبعد يوم العيد لا فرق و لا لاعبين ، فالكل يتفرق …

كل ما يدب على الأرض يعطيك الانطباع والاحساس أن هناك نهاية في آخر شهر رمضان،  كأن هذا الشهر استثنائي في عيشه غير باقي الشهور، بغض النظر عن الافطار والصيام ، ولا عن العبادة و الصلاة ،

 إنه الانطباع والإحساس  الشامل عند المتعبدين وغير المتعبدين….

يصعب فهم هذا الاحساس الذي يتملك المواطنين في هذا الشهر ، فقد نستوعب مثلا أن يعيش أصحاب المهن الموسمية المرتبطة بشهر رمضان على اعصابهم ، لانهم ملزمون ببيع كل ما لديهم من تجارة لا تصلح الا في رمضان،  لكن في الوقت نفسه تستغرب لتجار يتملكهم الاحساس أن تجارتهم ستبور اذا لم تبع السلع في رمضان ،

ولا تفهم لماذا دوريات في كرة القدم بالخصوص تكون فقط في رمضان؟، مع ان الملاعب هي هي ، و التوقيت هو هو ، و المنظمون والفرق هي هي …. يبدو أن اللاعبيين لا يلعبون الا في رمضان،  و المنظمون لا يربحون الا في رمضان،  والجمهور لا يتابعون الا في رمضان….

حتى في مجال الاعلام،  لا أحد يفهم لماذا هذه التخمة من الانتاجات في شهر واحد ، وتوجه لنفس عدد المشاهدين، و لماذا يسود الاعتقاد أن نسب المشاهدة تكون أكثر في رمضان ، مع أن التوزيع الزمني ليومية رمضان جد مكثفة ولا تسمح بساعات المشاهدة….

في المحصلة، أجمل ما في هذا الشهر ان له نقطة وصول ، و أن الكل يحس بذلك ، وأن الكل يعيش و يتحرك وفق  نقطة الوصول ، و الطباع تعيش حالة استثنائية قبل أن تصل إلى نقطة الوصول لتعود إلى سجيتها،

فماذا لو اننا عشنا كل ايام السنة وشهورها بنفس القاعدة  و بنفس النفس ، وبنفس الاحساس،  ؟

 لماذا لا تكون قاعدتنا أن تعيش لدنياك كأنك تعيش ابدا ، وتعيش لأخرتك كأنك تموت غدا ؟

كم سيكون جميلا أن يكون آخر كل شهر عندنا عيد ، و الحال أنه يوم يعلق فيه المواطن في المقصلة، و هو يؤدي فواتير شهر و يستلف ليعيش ايام الشهر المقبل ….

وكم سيكون جميلا أن يكون احساسنا في كل شهر ، استثنائيا  و نجعل من الاستثناء الايجابي قاعدة للعيش ، نتصالح مع انفسنا،  نتوقف عن الكبائر، نحتمي بدفء الاسرة  وحميميتها،  نصلي و نتقرب إلى الله كما نفعل في رمضان، نحتشم في لباسنا و يكون ذلك طيلة السنة، أن نأكل يوميا ما لذ وطاب من المأكولات كما نفعل في رمضان  ، وأن لا نكتفي بذلك فقط في المناسبات كما هو الحال في باقي شهور السنة،

وتبقى تلك مجرد اماني، والأماني ممكنة ، إن لم يكن على مستوى المجتمع،  فعلى مستوى الأفراد أو المجموعات ،

أما عنوان هذا المقال ،فله علاقة بالجزء الثاني من مقالي، ذلك انني تذكرت انه في السنة الماضية انتشر فيديو لشيخة معروفة تفتي في الدين  ، وقامت القيامة و لم تقعد،

ويا سبحان الله،  في هذه السنة انقلبت الآية فقام فقيه مشهور يفتي في الشيخة ، عبر موقفه من مسلسل تلفزيوني.

وبين الشيخة و الفقيه حكاية مجتمع فيه من يعيش لدنياه كأنه يعيش ابدا ، لكنه غير ابه باخرته،  وبين من يعيش لأخرته كأنه يموت غدا و يعتبر كل من حوله في طريقهم إلى جهنم لأنهم يعيشون الحياة ،

وطبعا هناك فئة تعيش لدينها ودنياها،  و تلك هي الفئة الغالبة ، و حين يحل رمضان يطفو الدين ،و بعد رمضان يعود عند البعض إلى اصله وعند البعض الاخر  ينمحي إلى كل يوم جمعة أو عيد أو شهر رمضان…..

وهكذا هي الحياة،  شيخة ترقص و تقول :صلى وسلام على رسول الله والا جاه سيدنا محمد ….

و هكذا الحياة ، مداح يرقص في “حضرة” ويقول : طلع البدر علينا ، ايها المبعوث فينا ….

وهناك من يحرم سلوك الشيخة أن تتغنى برسول الله،  وهناك من يعتبر  “ الحضرة” تشويها للعبادة والدين….

و لكن الموقف السليم،  هو أن تعبد الله  بالشكل الذي يحسسك انه قريب  منك وانك تتقرب اليه ، و أن تعبر عن حب رسوله ليس بما يليق بك او به ، ولكن بما يجعلك تهيم في حبه،  والحب لا يؤمن بالاوضاع اللائقة وغير اللائقة.

عشق الله  ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم،  ليست حكرا على فقيه و لا محرمة على شيخة،  و العبادة ليست حكرا على رمضان و لا محرمة في باقي الاشهر،

لنعش رمضان لفضله و نرتوي مما فيه وليس في غيره،  ولنترك الناس تعبد بقلوبها و لا نمارس الكهنوتية والبابوية عليها،  فديننا دين وسطية  وليست فيه وسائطية،

اعبدوا الله  بالصدقات والمعاملات  وليس بالفتاوي  والاحكام،  لا سلطة لك علي في ديني، فالله وحده يعلم ما تخفي الصدور،  فكم فقيها كان عميلا للاستعمار وباع وطنه من تحت جلباب  وسلهام صلاته، وكم شيخة  غنت ورقصت  و اوقعت الاستعمار  وحملت مشعل النضال و المقاومة،  وعذبت وقتلت ولم يذكرها احد ،لا لشيء إلا لأنها شيخة.

ومن يقول ان الله طيب لا يحب الا الطيب، فليعلم أن لا سلطة للمخلوق  على خالقه كي يحدد له الطيب من الخبيث،  فلا خبيث ولا محرم الا ما حرم الله، أما الفقهاء فمنهم من يفتي على هواه،  ولا حكم لهم علينا، ولا حكم لنا عليهم،  فديننا الاسلام، و ، ودينهم فرق و فتاوي وتأويلات،

ديننا عشق المولى وحب الرسول، ودينهم فتاوي  تحت الطلب للسلطان أو للقنوات الفضائية،

لنا في بلادنا فقهاء نعتز باجتهاداتهم ونتبع عند السؤال للفهم خطواتهم،  فقهاء يحفزون العباد على الدين ولا يفتون ولا يحكمون على سلوك الاخرين،  فالحلال بين والحرام بين.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *