كسروا المرايا … واستعدوا لتلقي الهدايا!!
بقلم سدي علي ماء العينين.
آفة الانسان التي ما أن تتملك صاحبها الا وجعلت من حياته جهنم فوق الارض، فالوساوس تلعب براسه على مخدته تطرد النوم من جفونه ، و الشكوى تغزو نهاره وتحرم عليه لذة يومه ومساءه .
هذه الافة هي أن تتمنى لنفسك ما عند غيرك، و تلعن الايام التي جعلت غيرك يملكها وانت محروم منها . و تكفر بقدر الله الذي فرق الارزاق وانت تجاحده في اختياراته ولماذا غيرك وليس انت …
وعندما تتحول هذه الافة الى مرض مزمن ، يمكن لصاحبها او صاحبتها أن يتقابلا مع المرآة كل صباح فلا يعجبهما شكلهما و يتمنى الرجل أن يكون بجمال الفنان فلان ، وتتمنى المرأة جمال فلانة….
قد يكون التمني أمرا محبوبا ومرغوبا ان كان تعبيرا عن طموح، ومقرونا بالعمل والتطلع إلى المستقبل دون السخط على الحاضر .
وقد يكون التمني أن يكون لديك ما عند غيرك، بأن تدعو الله أن يرزقك لا أن تنعل القدر الذي رزق غيرك وحرمك ،
غير ذلك فإن تمني ما لذى الغير مقرونا بالسخط على ما لديك هو عنوان سلوك بشري، هو الذي هز حضارات وهز اسرا و قتل الالاف ،إنه الحسد و الغيرة اللذان يولدان كره الاخر لا لشيء سوى لان الله اعطاه، و لا لشيء سوى لأنه ناجح بعمله فيما انت تقضي وقتك في تتبع نجاحاته و انزال النعلة على واقعك دون التفكير في تغييره.
عندما تقف أمام المرآة كل صباح لترتيب لحظة الخروج إلى الناس والى العالم الخارجي ، لا تقارن نفسك مع غيرك و تطلب من خالقك أن يرزقك عيونا عسلية بدل العيون السوداء التي تملكها ،لا لشيء سوى أنك تريدها عسلية كما رايتها عند فلان او فلانة ، ناسيا أن صاحب العيون العسلية ربما هو الاخر يريدها سوداء كتلك التي عندك ولم يجدها،
الشيء الوحيد الذي يجب أن تنتبه اليه في مرآة منزلك كل يوم هو شعيرات الشيب الذي بدأت تتسلل إلى جسمك و اللون الأبيض الذي بدأ يغزو شعيراتك، وعليها أن تجعلك تقف لتشكر الله على أن وهبك الحياة وأطال من عمرك ، و ماذا قمت به في مقابل ذلك ، هل تمتعت بما وهبك ام كنت منشغلا بما عندك غيرك تتمناه لنفسك ؟
تقف الفتاة أمام المرآة تتأمل شبابها الذي تعتبره يدبل والزوج المرتقب لم يدق الباب بعد ، فتنعل القدر الذي جعل اخواتها وبنات جيرانها و بنات العائلة و زميلات الدراسة يتزوجن ويفتحن بيوتا فيما هي تعانق وسادتها الخاوية ودمعة عينيها تبللها وهي تنعل القدر ،
و امرأة اخرى أمام المرآة تضع يدها على بطنها وتتحسسها، و تنعل القدر الذي منح لزوجات اخريات أن ينجبن ويلدن اطفالا يصرخون ببهو المنزل، فيما هي مصابة بالعقم الذي زرع الملل ببيتها و النفور من زوجها ، ونظرة الناس بين مواسي و شامت،
وأخرى وهبها الله حقها من الجمال، فتشكو خالقها لماذا لم يخلق لها وجها كوجه فنانة او جسد راقصة او صوت مغنية…
أما الرجال فلا يقلون درجة عن المرأة أمام المرآة، بين معجب بملامح وجهه ، ويرى في نفسه فارس احلام كل نساء العالم ، متجاهلا ومتناسيا أن الجمال جمال الروح والعقل وليس ملامح تدبل مع الزمان ،
واخر دبلت ملامحه مع الزمن ، فينعل القدر الذي لم يطل من فترة شبابه وفسح المجال للشيب ليشوه صورة سواد شعره، فتجده يصبغه دوريا، ليقنع نفسه انه في شباب دائم ….
السؤال الان : لماذا هذه الافة تنخر الانسان وهناك من يعتبرها عادية وهي من طباع الانسان؟!!
فماذا لو عكسنا الآية ، ورزق الله لهؤلاء ما ليس عندهم وعند غيرهم ، ولكن ليس مما يرونه هم نعما ، ولكن في ما يراه غيرهم ابتلاء ؟
قبل أن يمنحك الخالق فضل القدرة على الوقوف لتقابل وجهك في المرآة، ماذا لو اقعدك طريح الفراش ، أو كنت نزيل مستشفى تحيط بك الآلات وجسمك مربوط بأنابيب تحمل لك الدم والاكسجين والدواء ؟
ماذا لو منحك الخالق لذة الوقوف أمام المرآة لكن حرمك من لذة البصر لتتطلع لطلعتك البهية التي لم تعجبك ؟
و ماذا لو كنت زوجة تقفين أمام المرآة تتحسسين علامات اللكمات التي رسمها زوج همجي على وجهك بدل تحسس مكان قبلة الوالد قبل مغادرة البيت ؟
وقس على ذلك ، بأمثلة يمكن أن نسردها إلى ما لا نهاية …
لكن هناك حقيقة على كل مخلوق أن يدركها و سيعرف قيمته و قيمة ما عنده ، و يفهم سر وجوده…
هل تعلم و انت تمشي بالشارع وانت تتباهى بعيونك العسلية او سيارتك الفارهة او لبستك الجديدة او شعرك المسترسل على كتفيك، او قوامك الرشيق الذي يتمايل في ممر الراجلين ويلعب بعقول وعيون الراجلين،
هل تعلم في هذه اللحظة أن عدد الذين يرونك لا يتجاوزون العشرة و عندما تقطع مسافة يراك عشرة آخرين ، والى آخر اليوم يراك مثلا مائة فرد بين مهتم و بين غير مبالي و بين حاسد و بين فرح ….وحتى لو جلست وسط الالاف بملعب كرة فإنهم لا يرونك؟
ولكن أين بقية الكون لتتباهى امامهم؟
يا سيدي، ويا سيدتي ، عندما تدرك أن من يسكون معك المدينة لا يعرفون بوجودك ، و كذلك الحال بجهتك و وطنك والقارة التي يتواجد بها وطنك ، والعالم الذي تسكن حيا من أحياء كوكبه، و انك في الكرة الارضية التي ليست سوى مجرة من ملايين المجرات السماوية !!!!!!
فماذا انت في كل هذا ؟
انك أصغر من حبة رمل في الصحراء تتلاعب بها الرياح ،ولا أحد يحس بوجودها،!!!!
فلماذا تشغلون انفسكم المريضة بتفاهات و تمرضون انفسكم بعاهات وافات تفسد عليكم طعم الحياة؟
عش لنفسك، وافعل الخير في كل من حولك ، ارضى بما لديك من خالقك ، وامنح لنفسك الطموح لتنال ما ناله غيرك بجهدهم وعملهم و اعمل واجتهد وسيكون لك نصيب مثل غيرك فالله ضامن لكل دابة على الارض رزقها ،
لا تنشغل بما عند غيرك، ولا بما ليس لديك، ولكن تعلم أن تتقاسم ما لديك مع غيرك، و تساعد غيرك ليكون لديه ما لديك بالحب وليس الغيرة والحسد.
إن اكبر نعمة منحك الله هي انك انسان، وكي تكتمل انسانيتك لابد أن تكون رسالتك هي حب الانسان والذي هو انت وهو غيرك ، ولا ينفصلان،
احبوا بعضكم البعض ، وكسروا المرايا التي لا تظهر مكامن النفوس والاحاسيس النبيلة، كسروا المرايا التي تسكنها الشياطين ،
افتحوا قلوبكم تروا العالم جميلا وتكونون اجمل، والقلوب لا تحتاج أن تقفوا أمام المرآة ولا أن تعبروا حيكم ، القلوب المفتوحة تقطع المسافات، و تعانق الكون وخالق الكون وكل المخلوقات.
فهل تعتبرون؟