مصلحة شعوب المغربي العربي
فؤاد الجعيدي
القطيعة التي بادرت الجزائر لإحداثها مع المغرب، كان المتضرر فيها هي الشعوب المغاربية والتي تجتاز أوضاعا صعبة في السياق الدولي الجديد.
ولقد وقف عاهل المملكة المغربية في خطابه الأخير، على تحليل الظروف التي تجتازها العلاقات بين الأشقاء المغاربة والجزائريين، وبادر بالدعوة إلى ربط الجسور بين بلدين جارين لا يجوز أن تظل الحدود بينهما مغلقة بينهما، في عالم يبنى على التحالفات التي تحمي المصالح المشتركة بين الشعوب..
ودون تردد، فإن العاهل المغربي يؤكد وبكل الوضوح، على حرصه للخروج من هذا النفق، بتعزيز التقارب والتفاهم بين شعبين لهما من الروابط التاريخية والإنسانية ما لا يعد ولا يحصى، وأن المغاربة سيظلون في كل الأحوال والظروف يبذلون المساعي لعودة الدفء للعلاقات بين الشعبين.
إن هذا الخيار الاستراتيجي، لا بد أن تلتف حوله إرادة الفاعلين السياسيين والمثقفين ورجال الإعلام، وكل المؤمنين بالمصير المشترك لشعوب المنطقة المغاربية، والعمل على نبذ الخلافات والكراهية التي تغذيها بعض الأقلام وتنجر في سياقها دون تقدير لجسامة وفداحة هذا التوجه.
علينا أن نؤمن بخيارات الشعوب في اختيار أنظمتها، ولا يحق لهذا الطرف أو ذاك الطعن في الرموز الوطنية لكلا البلدين، كما لا يحق التدخل في الشؤون الداخلية، ولكن السعي في تدعيم أسس الأمن والسلام والتعاون المشترك.
علينا التحلي بالواقعية والبراغماتية في العلاقات، وعلى الإعلام في كلا البلدين التصدي، ودون هوادة لعوامل التفرقة وتأجيج النزعات التي تطال موروثنا التاريخي، والتعاطي معها من منطلقات إحداث مزيد من الشرخ الذي يؤسف عليه.
إن المغاربة اختاروا ومنذ حقب قديمة نظام الحكم الذي يوحدهم، كما اختاروا عدم التضحية بترابهم الوطني وظلوا يؤكدون على مدى أكثر أربعة عقود استعدادهم، للتضحية من أجل وحدة التراب الوطني، وعدم المساومة به.
كما أن الشعب الجزائري، اختار وقبل بأسس الحكم الذي يرتضيه لنفسه، وظل المغاربة في كل تاريخهم الحديث، يقدمون الدعم لأشقائهم ولا يجوز اليوم نسف هذا التراث تحت أي ذريعة كانت.
لقد جندت بعض الأقلام لدس الأحقاد، ولا نعتقد أن التاريخ سيغفر لكل من عطل حق الشعوب في الاستقرار والأمن والسلام، وهي الشروط الموضوعية في أي مكان لتحرير طاقات الشعوب لمواجهة التحديات الحقيقة في تنمية المجال والإنسان.
لقد عشنا محنا مشتركة مع الاستعمار الفرنسي، واستيقظنا على خصاص فظيع في كبح جماح الشعوب والعمل على تعطيلها وتخلفها، وظلت القوى الديمقراطية في كلا البلدين، تناضل من أجل توسيع الحريات والدفاع عن حق المواطنين في الكرامة والعدالة الاجتماعية، وهي المطالب الحقيقية للبناء الحداثي للدول المعاصرة، وأن واقع بؤر التوتر لم ينتج سوى الدمار الذي نحن في غنى عنه جميعا في هذا الجزء من الشمال الإفريقي.
علينا جميعا المساهمة في عودة الدفء للعلاقات ودون تردد ومن كل المواقع، وهو الخيار الذي لا غنى عنه من أجل مغرب عربي قوي ومتماسك.