أي مهام للنقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام؟
فؤاد الجعيدي
ما معنى أن تكون اليوم رجل إعلام؟
وما معنى أن تحصل لديك القناعة لتنظم نفسك تحت إطار تاريخي للدفاع عن قيم التنوير والعقلانية؟
وما معنى أن تنتصر لقيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية؟
شخصيا آمنت حتى النخاع أن يكون قلمي لمناهضة المظالم الاجتماعية ونبذ التطرف والاقصاء.
آمنت أن الطبقة العاملة هي التي ظلت، طوال تاريخها تختزن معاناة كبرى في مواجهة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وتعلمت من تاريخها المجيد والطويل على خطوط وجبهات المواجهة. أن تنتج ثقافات كونية وأن تنتج قيما إنسانية، منها تقديس العمل وتقديس التضامن.
الثقافة العمالية كانت وظلت الوعاء والخزان للمثل الإيجابية في حياة البشر..
في البدايات الأولى من تاريخ تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، في 20 مارس 1955، كتعبير عن الوعي والإرادة العمالية، واستجابة لضرورة تاريخية، وكنتاج لمرحلة من النضالات والكفاحات العمالية المجيدة، من أجل تحرير الوطن واستقلاله من الاستعمار الغاشم، قدمت خلالها الطبقة العاملة المغربية أروع الأمثال في التضحية والعطاء والفداء.
وهكذا لم يكن الاتحاد المغربي للشغل، من صنع حكومة أو حزب، بل كان من خلق الكفاح العمالي المجيد، وتعبيرا عن إرادة الطبقة العاملة المغربية في التحرر والانعتاق، واستحضر معها المسألة الإعلامية، عبر إصدارالعديد من المنشورات والتي تميزت في أساليب صياغتها بتلك الدقة التعبيرية، التي كتب بها البيان الشيوعي، حيث كان الرواد الأوائل يجيدون التعاطي مع التراث الماركسي في وصفه للتناقضات الاجتماعية والسياسية كمعطى تاريخي وعلى ضوئها يحددون مطالب الطبقة العاملة.
ومن هذه المنطلقات، أنتج الاتحاد المغربي للشغل، تراثا في مسألة الحماية الاجتماعية وعمل على إبداع الضمان الاجتماعي، لفائدة المأجورين، ولعل العودة لهذا التراث الذي يحتضنه أرشيف الاتحاد المغربي للشغل، يدهشنا بتلك الرؤى العلمية بتحليلها الملموس للواقع الملموس، دون نزوع نحو الغموض الذي عادة ما يلف الخطابات الايديولوجية.
لقد جعل الاتحاد المغربي للشغل منذ مرحلة التأسيس، المسألة الإعلامية في جوهره اهتماماته لتصريف المواقف والدفاع عن الحقوق بدون لف ولا دوران.
حيث كان المناضل العمالي له دور إعلامي ، للتأثير في المنحى التاريخي للصراع الاجتماعي، وللاندماج في هذه الحياة الاجتماعية التي يتبوأ، فيها صدارة حمل هموم الناس، وتطلعاتهم لينتج الفوارق المطلوبة في التعريف بمن نحن ؟ ومن نكون ؟ ولماذا نناضل بهذه الأشكال من الكفاح الاجتماعي الذي يحتضن عن وعي بأن للمناضلين أدوارا ورسائل في الحياة.
خلال هذا المسار الطويل نسبيا، والممتد على مدى ما يزيد عن ستة عقود، ساهم مناضلو الاتحاد في إنتاج الثقافة العمالية والدفاع والترويج لقيمها الإنسانية وفي ذات الآن جعل لهذا المسار مبادئ مثلى: الوحدة و الاستقلالية والديمقراطية.
وأظن قد حان الوقت للدفاع عن تراث وقيم الثقافة العمالية اليوم، في زمن التبضيع والتسليع للقيم الإنسانية، والمساهمة في بلورة أسس نموذج تنموي قادر على استرداد قيم الإنسانية التواقة للتحرر والهادفة لصيانة الأمن والسلام بين الشعوب.
الثقافة العمالية هي النقيض المباشر لثقافة الإمبريالية المتسلطة على مقدرات الشعوب والمنتجة للدمار.
واليوم هناك حاجة ماسة للتكوين والتشبع بالثقافة الكونية التي أنتجتها البشرية عبر صراعات مريرة، لإدراك أن مناهضة التطرف بكل الاشكال هو الدفاع عن الحق في الحياة وتجويدها للناس على قدم المساواة.
ولا يمكن المساهمة في تطوير الثقافة العمالية بأبعادها الإنسانية، إلا من خلال ثوابت منظمتنا، الاتحاد المغربي للشغل، باعتبارها المدافع الأمين على حق كل الفئات إناثا وذكورا، وحماية حق الجميع في الاختلاف وصياغة التوافقات الممكنة للتعايش ضمن علاقات التضامن الذي يعد الآلية التي ترتقي بتجارب الناس وتضمن لهم التعايش وتبادل المنافع.
وأن أزمة الجائحة التي تضرب اليوم بدون هوادة الحياة، باتت تؤكد أكثر من أي وقت مضى أن التصدي للكوارث والجائحات لن تقوى الشعوب على الانتصار على هذه الاختلالات الحياتية إلا بالتضامن، ويتضح الآن أن الفقر في أي مكان يهدد الرخاء في كل مكان.
هذه القيم، جاءت النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام، للإمساك بمشعلها، دفاعا عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساوة للجميع.