حزب التقدم والاشتراكية رغم ذلك سنواصل الطريق
أحمد بوشعيب*
تابعت بهلع وقلق شديدين، هذا الصباح، وأنا بصدد كتابة هذه الأسطر، خبر مقتل السياسي عبد الوهاب بلفقيه، إثر طلق ناري في بطنه، دون أن أتبين بعد حيثيات الحدث المؤلم، والذي ينذر بمآل مجهول للفعل السياسي بالمغرب مهما كانت حقيقة هذا المصاب، خوفا من المستقبل المجهول الذي يلف الفعل والممارسة السياسية ببلادنا وليس رهبة أو خوفا على نفسي، لأني ممن يقول عن نفسه باللسان الدارج « عاش ما كسب مات ما خلا ».
وهو الحدث الذي شكل دفعة للكتابة وتمسكا أكثر بمواصلة الطريق، ضمن مبادرة الرفيقات والرفاق الرامية إلى تصحيح الوضع داخل حزب التقدم والاشتراكية الذي أتشرف بالانتماء إليه زهاء ثلاثة عقود، وأقلق كثيرا على وضعه ومآله، لعدة مؤشرات سلبية متعددة أهمها:
- التحكم والوضع التنظيمي المتأزم لحزب التقدم والاشتراكية:
لعل أهم ثنائية ميزت مسيرة حزب التقدم والاشتراكية خلال العشر سنوات الأخيرة، هي ثنائية « التحكم- الديمقراطية الداخلية » بحيث أن المتتبع للشأن السياسي المغربي يسجل مقولة التحكم المنسوبة لعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة الأسبق وأمين عام العدالة والتنمية آنذاك، التي رددها خلفه أمين عام التقدم والاشتراكية المنتشي بالتحالف مع الحزب الأغلبي ذو النزعة الإسلامية بعد الربيع العربي، هي الزلة التي تلاها بلاغ الديوان الملكي المعلوم، الذي وصف الأمين العام ب »المضلل » ليعفى بعدها من مهامه الوزارية والبقية تأتي من خلال نتائج انتخابات الثامن من شتنبر المنصرم بالنسبة للعدالة والتنمية.
والدرس البليغ الذي كان ينبغي أن نتعلمه جميعنا من هذه المحطة هي أن بنكيران كان له الحق في أن يقول ما يشاء ويتحدى من يشاء، لأن وراءه حزب كبير يتعدى عدد برلمانييه المائة، بينما العكس بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية والذي قال عنه بنكيران نفسه أن حجمه ووزنه لا يقاس بعدد منتخبيه وبرلمانييه إنما يقاس بمواقفه وتاريخه ، الذي أساء الأمين العام بخرجاته غير المحسوبة، بالرغم من أنه يوصف بالرجل المفوه، كما يوصف آخر بالرجل المحنك » حيث أن الحزب وقيادته بصفة عامة أخطأت الموعد لأنها لم تغتنم فرصة المشاركة في حكومة العدالة والتنمية الاولى لتنمية الحزب تنظيميا وتقويته وترصيص صفوفه، وهو ما ظهر خلال انتخابات 2015 الجماعية و التشريعية 2016 التي تراجع الحزب خلالها بالرغم من مشاركته في الحكومة.
لانتهى عن فعل وتأتي بمثله، هي المقولة الناظمة بين مفهوم التحكم الذي ردده الأمين العام وراء بنكيران، والديمقراطية الداخلية حيث أفقدت سكرة ونشوة المشاركة الوازنة في الحكومة – بالرغم من المعارضة القوية لذلك، وكون أغلب المناضلين الذين صوتوا لصالحها لم يمنحوا قيادة الحزب شيكا على بياض – إلا أن هذا منح ثقة أكبر للأمين العام وأتباعه، فأمعنوا في التنكيل بالمناضلين المختلفين ، فطردوا من طردوا وهمشوا من شاءوا، بعد الالتجاء إلى لعبة تعديل القوانين المفضوحة، وغيروا التركيبة البشرية للحزب بشكل كبير من خلال استقطاب الأعيان والمنتخبين الفاسدين من مختلف التلوينات ومنحوهم الضوء الأخضر لتشكيل واختيار مرشحي الحزب في مختلف المحطات الانتخابية وأبعدوا مناضلي الحزب، وأفقدوا التنظيم الحزبي معناه وكنهه، فما بالك بالتأطير الحزبي والسياسي الذي يعد صلب اهتمامات الأحزاب السياسية عموما، في ضرب صارخ لمبدأ دستوري فقط لأجل عيون المناصب والمكاسب.
- انتخابات الثامن من شتنبر( المعارضة وحتمية التغيير)
لعل التأني في قراءة نتائج انتخابات الثامن شتنبر المنصرم، والابتعاد عن الانفعالية في قراءتها، والتوجه نحو إعمال العقل ليس كما أعلن البعض تقدمهم الملموس على المستوى العددي، يدفعنا إلى القول أن الرابح الأكبر خلال هذه المحطة الانتخابية كان هو الوطن أولا من خلال نسبة التصويت التي تجاوزت الخمسين بالمائة بالأخص بالمناطق الجنوبية حيث أكد المواطنون المغاربة المقيمون بالصحراء المغربية تشبثهم بوطنهم وانخراطهم الفعال في انتخاب ممثليهم في درس بليغ لخصوم الوحدة الترابية للمملكة. وكذا تنظيم هذه الاستشارة الانتخابية في موعدها وفي زمن كورونا التي تعاني خلاله دول عظمى من تبعات انتشار وباء كوفيد 19.
أما الاعتقاد أن التقدم على مستوى عدد المقاعد فينم عن قصر نظر أصحاب هذا الادعاء الباطل، فعلاوة على عاملي القاسم الإنتخابي وإلغاء العتبة، وبنفس المنطق العددي فإن ما خسره العدالة والتنمية تم تقسيمه بين المشاركين « قسمة ظيزى » فحصل كل فصيل على نصيبه من التركة، وإلا فكيف سنسمي ما حققه التجمع الوطني للأحرار والاستقلال الذين ضاعفا غلتهما والاتحاد الذي تقدم بنسبة تعادل الثمانين بالمائة.
وبناء على ذلك فإن القراءة الحقيقية لنتائج الثامن من شتنبر هي فقدان العدالة والتنمية لأزيد من مائة مقعد بمجلس النواب وفقدانه أيضا لفريقه النيابي، وخسارته لكل مجالس المدن التي كان يدبرها خلال الولايتين السابقتين، في رقم قياسي يمكن أن يدخلنا لكناش « غينيتس » للأرقام القياسية. وهو ما بدأنا نلاحظ تبعاته في تشكيل مجالس المدن والعمالات والجهات من عودة قوية لسلوكات مشينة كانت قاب قوسين من الاندثار بعد الربيع العربي وصعود نجم العدالة والتنمية واستفراد ثلاثة أحزاب بتسيير كل الجهات والمدن الست الكبرى ومجالس العمالات، في سابقة من نوعها، تضرب عمق تعددية تعبيرات الرأي في بلاد التعددية الحزبية.
أما حزب التقدم والاشتراكية في ظل هذه النتائج، فقد فرض عليه أن يقوم بدور المعارضة بفريق بجانب أحزاب أخرى أضعف بكثير من الناحية العددية من مكونات الأغلبية.
فكيف السبيل إلى القيام بدور المعارضة؟ وهو الدور الدستوري الهام في صحة المشهد السياسي، بأية وسائل؟
المعارضة تقتضي التوفر على فريق جديد وبخطاب سياسي جديد، مختلف، محين، قادر على إقناع المواطنين والوصول إلى الحاضنة الشعبية الطبيعية لحزب التقدم والاشتراكية.
فكيف لمن قام بتخوين حراك الريف بالأمس القريب مثلا أن يتوجه اليوم إلى المواطنات والمواطنين بخطاب معارض للحكومة، وبأي وجه؟
كيف لمن ساهم في تنزيل مضامين الدستور، وصاغ القوانين، وساهم في تمريرها أن يتوجه إلى عامة الشعب اليوم بخطاب معارض، علما ان الواقع يشهد حصيلة الصفر من زاوية التطبيق الفعلي ؟
كيف لمن قام بتمرير قرار تحرير أسعار المحروقات »وما أدراك ما المحروقات » أن يتوجه اليوم بخطاب معارض؟
كيف لمن قام برفع سن التقاعد أن يتوجه بخطاب معارض اليوم ؟
كيف… كيف… كيف…
كلها أسئلة وغيرها أترك لقيادة حزب التقدم والاشتراكية التي لا أشكك لحظة في وطنيتها ونضاليتها وغيرتها بالرغم من الهفوات والمؤاخذات فرصة الإجابة عنها…عليها تقدم إجابات شافية لنفسها قبل المناضلين.
- أحد المنفيين من اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية