الأحزاب وضرورات التغيير المنشود
فؤاد الجعيدي
اليوم الأمور سائرة في التعري، نبيل بنعبد الله، يمانع بجحود مطلق في الانصات إلى رفيقاته ورفاقه، ونهج أسلوب التفاوض الهادئ والرزين واختار طريق التصعيد، في سابقة تجلت في طرد أحد عشر عضوا من القيادة والوطنية لحزب التقدم والاشتراكية، محمد ساجد في الاتحاد الدستوري، ترتفع حوله الأصوات المطالبة برحيله، ادريس لشكر يجر متاعب لا تعد ولا تحصى من ورائه، كان آخر فصولها، دخول أنصاره وفي ندوة صحافية في عراك كان فرجة لرجال الإعلام، باقي فصائل اليسار لها أوضاع، تؤكد بكل مؤشرتها عدم التعافي من أساليب المواجهة الداخلية، والتي ساهمت في تعطيل كل حركة تتجاوب مع تطلعات أوسع الجماهير في التغيير وفسح المجال للشباب والمشاركة والواسعة في الحياة السياسية.
اليمين تدارك متطلبات المعارك السياسية التي عاشتها بلادنا، في استحقاقاتها الأخيرة، وخرج منها قطبا متجانسا وقويا تنظيميا وسياسيا، وهو ما فتح باب التساؤلات حول مشهدنا السياسي، وعلى معارضته المفككة والضعيفة، وما سينتج عن هذا الوضع من فراغ قد تملأه الشياطين انطلاقا من القاعدة المعلومة أن الطبيعة تكره الفراغ.
الأمل اليوم هو أن تتغلب الإرادات والنوايا السياسية، لتدارك الخصاص في مشروع وحدوي يساري، يعمل من قلب المجتمع على مرافقة التحولات العميقة والهادئة التي تعرفها بلادنا منذ مطلع الألفية الثالثة،
فتاريخنا المعاصر، أثبت ودون لف ولا دوران، أن قوى اليسار في شتاتها، لم تستطع إنجاز التغييرات المطلوبة، والمساعدة على تحقيق الانتقال الديمقراطي. وهو ما يؤكد أن ثقافة التحالف ظلت هشة وضعيفة لدى قوى سياسية، ما يجمعها على المستوى السياسي والأيديولوجي وعلى مستوى التطلعات، أكثر بكثير مما يفرقها حول التقدير، لكنها لم تستحضر عوامل موازين القوى، لخدمة التغيير المنشود، بل طيلة تاريخها، عاشت صراعات داخلية أدت في أكثر من محطة إلى انشقاقات قادت لمزيد من إضعافها وعزلتها من الساحة الصراع الاجتماعي.
ما المطلوب اليوم في مشهد سياسي لا زال في طور التشكل؟ أن يعاد طرح السؤال حول مشروعية الفكر اليساري، وجدواه في المساهمة العمليات الانتقالية الجارية في المجتمع، والذي كون قناعات جوهرية على أن التغيير هو ضرورة ومطلب لأوسع الفئات الشابة، لأجيال جديدة لم تعش في وجدانها، مراحل المواجهة المباشرة مع الاحتلال الفرنسي، ولم تطلع فكريا على فلسفات الفكر الاشتراكي وشعارات تحرر الشعوب من هيمنة القوى الامبريالية، والحركات المدافعة عن الأمن والسلم بين الشعوب. ولا تؤمن بزعامات عرفها التاريخ وشكلت بؤرة لإنتاج الأحلام في الحرية والعدالة.
الأجيال الجديدة، انشغلت بمواقع التواصل الاجتماعي وعرفت كيف تعمل على مسرحة مطالب وعيها الجمعي، في ثورات وحراكات اجتماعية احتلت الساحات العمومية، من أجل مطالب الحرية والعدالة والكرامة وهو ما زاد من عزلة القوى السياسية، والتي لم تدرك كيف تنخرط في الموجات الجديدة وظل رهانها على الاجتماعات المغلقة التي تقرر فيها بأشكال لم يكن لها التأثير في الأحداث، وتمانع في عدم تبني الاختيارات الديمقراطية الحق، بين أعضائها وإن كانت تطالب الدولة جهرا لمزيد من توسيع فضاءات الحرية، وتعزيز الثقافة الحقوقية للأفراد والجماعات، وهي تناقضات تم العمل على تعريتها في وثيقة النموذج الاقتصادي الجديد الذي دعا كل الفرقاء إلى تبني مقولات التغيير والذي دون شك سيصيب بقوة مصالح كل من لا زال يراهن على أن السياسة، وجدت لصناعة الكراسي، وحمايتها لما تشكله من جني للمنافع المادية، وإصلاح أحوال أصحابها، والارتقاء بأوضاعهم ليشكلوا نخبا لمقاومة التحولات المطلوبة مجتمعيا.