اللعبة السياسية في المغرب بحاجة للنضج والنضج بحاجة للانفتاح
فؤاد الجعيدي
ليلة البارحة، قدم بعض ممثلي الأمة في غرفة البرلمان حلقة في التلانس والتنابز بالألفاظ، وبذلك يكون البعض أنتج إفلاسا لا يضاهى، ففي الواقع وجد البرلمان كمؤسسة تشريعية للتنافس في رسم السياسات العمومية التي تخرج البلاد من أزماتها العميقة والدورية، ودافعي الضرائب لا يؤدونها لرجال ونساء من أجل عراك الديكة، وكم نتأسف على هذه الأجور التي تذهب إلى بعضهم وهم في الواقع عالة على المجتمع إلا من رحم ربي.
هناك من يجيد قليان السم للآخرين، وهذا هو منتهاه، وهناك من أدار الشأن لسنوات واليوم يعود بفم مشرع للهواء، ليتحدث على ما ينبغي أن يكون عليه البرنامج الحكومي. وهم في ذلك يقولون ما لا يفعلون.
إن الدرس الديمقراطي يعلمنا أن نترك لغيرنا حقهم في الكلام وفي التعبير الحر والمسؤول عن المواقف التي جرت العادة في الفكر السياسي أن لا تغير مثلما تغير القمصان وربطات العنق.
السياسة أخلاق إن فقدت ضاع كل شيء، أعرف بعض الأشخاص أتوا من الحياة إلى قبة البرلمان، لا يهم كيف أتوا تلك حكاية والاهتمام بها لا جدوى ترجى من ورائه، ولم يتمرسوا على النضال منذ شبابهم، فقط تسلقوا مثل اللواية، وحين وصلوا القبة لا يعرفون أن المقاعد وجدت للجلوس لذلك تراهم يخرجون إلى الممرات ويقفون بها ليسمعوا رئيس الجلسة يناديهم بأسمائهم للجلوس، ثم يأخذهم صياح الديكة.
وحين تراهم مع عامة الناس يمثلون أدوارا أخرى بالتباهي على البسطاء.
إنه القرف السياسي، الذي بتنا نحياه في أيامنا هذه.
في زمن مضى لا زلت أتذكر كيف كان الخصوم، يتطارحون أفكارا يختلفون حولها لكن يقدمون صورة واضحة وجلية عن طبيعة الصراع المجتمعي حول السياسات والإيديولوجيات..
لكن الحظ والتطورات التي عرفها المشهد السياسي طيلة عقدين من الزمن، عملت على تبخيس السياسة داخل الأحزاب أولا ثم انتقلت العجينة إلى البرلمان.
كان الجلسة تسائل الواقع الثقافي في بلادنا وسبل النهوض به وتمكينه من كل عوامل الدوباج لتأخذ الثقافة مكانتها في المجتمع وتبني القيم الضرورية في حياة الناس لمواجهة أنظمة التفاهة التي صارت سائدة متغلغلة في كل الأوساط.
تحدث السيد رئيس الحكومة عن المكونات الثقافية لأمتنا وغناها وجذورها، وارتأى أنه حان الوقت للمؤسسات المنتخبة من جماعات ومجالس الجهات في توفير الاعتمادات لمد الثقافة بكل فروعها وفنونها بجرعات زائدة من الأوكسجين وتحويلها لصناعة تنهض بالإنسان وشروط عيشه.
كلام جميل. لكن هل نبني ثقافة في ظل تغييب المثقفين من فلاسفة وفنانين ومبدعين من شعراء وروائيين ومسرحيين وموسيقيين جادين؟
صحيح أن السيد رئيس الحكومة، تأسف على أكثر من مهرجان عملت الجائحة على تعطيله، لكن الجائحة لا تفسر كل شيء هناك إمكانيات ظلت مهمشة وغائبة بإرادة الفعل السياسي.
فإن كنا نتحدث عن الثقافة كصناعة، لماذا لا نجعل إعلامنا المرئي يتكفل بهذه المهام الآنية، وينفتح على الشباب الجامعي من خيرة ما أنتجه الوطن من كفاءات وعلى الحوارات الفلسفية التي تعيد قراءة ذواتنا كمدخل للتخلص من التفاهات اليومية؟
لماذا هذا التلفزيون بقنواته المتعددة لا ينقلنا إلى تراثنا الوطني بكل ما يزخر به من فنون وايقاعات قل مثيلها في حضارات أخرى التي عرفت كيف تمجد إبداعاتها؟
ما الذي يمنع أن تكون الساحات العمومية فضاءات للمتعة البصرية وعرض اللوحات التشكيلية، وفسح المجال للشباب للإبداع عوض أن يتباهى بحمل السيوف في الأزقة والتلويح بها.
تحدث السيد رئيس الحكومة عن الأدوار الثقافية التي لعبتها دور السينما وأضيف حتى الحلقة كانت في الكثيرة من المدن تقدم لنا الفرجة وتربي فينا الحس لعشقها بطابعها الفكاهي أو عن طريق الحكايات البطولية التي تصنع لنا الآمال الكبيرة للارتقاء في الحياة.
في العديد من المدن بات الترخيص لمقاهي الألعاب وبها يتجمع المراهقات المراهقون للعيش في نظام التفاهة، ولماذا لا يتم تشجيع بعض أصحاب المقاهي لتحويلها لمنتديات للتثقيف، وتنشيطها باحتضان وصلات موسيقية أو تقديم قراءات في الإبداعات الفنية؟
لكن هل المجالس الذي جعلت مشاغلها لا تتعدى الإنارة والماء وتعبيد الطرق والواد الحار، بقادرة اليوم على أن تتمثل هذه الحاجات المعلن عنها من الثقافة والإبداع وفي غياب الانفتاح على المبدعين الحقيقيين، تلك هي الحكاية.