الحوار الاجتماعي صمام الأمان أمام الأزمات
فؤاد الجعيدي
من مصائبنا الاجتماعية، أنه يوم أسند تدبير الشأن العمومي، إلى التيار الاسلامي الذي يتبنى الدين كغطاء إيديولوجي في ممارسة السياسة، سجلنا تراجعات قوية في مكاسب الطبقة العاملة وعموم الجماهير الكادحة.
وكانت أقوى هذه الضربات، التي قادتها العدالة والتنمية، تحرير سوق النفط برفع يد صندوق المقاصة، والقيام بإصلاحات مشؤومة وغير مكتملة لنظام التقاعد، بتحميل الأجراء وحدهم تبعات وتداعيات القرارات السلبية على معاشاتهم، مع تعطيل آليات الحوار الاجتماعي.
وبالعودة إلى حكومة التناوب، نسجل قراراتها التاريخية في الزيادات في الأجور وما تلتها من ترقيات همت الوظائف وخلقت انتعاشا لدى الطبقة المتوسطة.. لكن أمور الانتعاش سرعان ما تم التراجع عليها مع حكومة بنكيران وخلفه السيد العثماني.
كان التراجع أيضا بينا في تعطيل آليات الحوار الاجتماعي والتنكر لكل التركمات التي حققتها الحركة العمالية مع الحكومات السابقة من خلال الحوار الاجتماعي في اتفاقات فاتح غشت 1996، و30 أبريل 2003، و 26 أبريل 2011، ، بل التراجع مس بالخصوص مأسسة الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين.. وإغلاق الأبواب.
وما أن حلت أزمة كوفيد 19 حتى واجهت البلاد أوضاعا عصيبة تمثلت في تسريح العمال بالآلاف مقابل نمو القطاع غير المهيكل وترسخت الهشاشة الاجتماعية بكل مظاهرها القوية، مع القضاء على نتائج الجهود الوطنية التي بذلت في إطار البرامج الاجتماعية للتخفيف من الفقر.
سياسيا تم تسليط العقاب على حزب العدالة والتنمية ومن والاه في الاستحقاقات الأخيرة ، لكن الجائحة فتحت عيون السياسيين، على أن مظاهر الفقر في أي مكان تهدد الرخاء في كل مكان، وحتى في الدول الرأسمالية برزت دعوات للعود إلى روح التماسك الاجتماعي وأن مداخله الحقيقية سياسيا تعني التفاوض على أوضاع القوى المنتجة مع النقابات باعتبارها طرفا وشريكا أساسيا في كل القضايا المصرية التي تهم عمليات البناء الوطني.
والمائة يوم التي مرت أدركت معها حكومة السيد أخنوش أن الصمت لا يفيد في الأزمات، وأن تعهدات التغيير السياسي عليها الخروج للرأي العام الوطني والتعبير عن نواياها والقيام بالإجراءات العملية لتصريف تلك النوايا.
لقد بادرت المؤسسة الملكية، بتخصيص اعتمادات مالية مهمة لمواجهة حالة الجفاف والتخفيف من آثارها، لكن اجتماعيا الحكومة مطالبة لتفعيل آليات الحوار مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، وأن تقف على نفس المسافة من التباعد بينهما وأن لا تغلب مصلحة على أخرى وأن لا تنحاز لقوة الرأسمال على حساب القوى المنتجة.
إن المصالح المشتركة بين الطرفين هي الأساس في أي نهوض اقتصادي وأي مقاربة تنموية، ترنو إلى توفير البدائل للتغلب على الصعوبات المرحلية والعابرة.
صحيح أن بلادنا تخوض تجارب فتية، في الإقرار بالتغطية الصحية لكل المغاربة وتعمل على توفير الآليات والبنيات القادرة على استيعاب هذه التحولات، لكنها تحولات تستدعي بالإساس سياسات جديد في التعاطي مع المشاكل الاجتماعية، من منطلقات العدالة والانصاف لكل الفئات والشرائح الاجتماعية.
والنموذج التنموي الجديد، هو ذاك الوعاء الاجتماعي الذي يستهدف إرضاء واشباع الحاجيات الاجتماعية للمواطنين، وتأمين استقرارهم وكرامتهم في وطن له ما يكفي من الموارد الطبيعية والامكانيات البشرية لتحقيق نهضته الشاملة. شريطة توفر الإرادة السياسية القوية لتنزيل مقاربات، تليق بتضحيات شعبنا على مدى سبعة عقود.