منسوب الثقة والعمل السياسي بالمغرب نبيل بن عبد الله نموذجا
فؤاد الجعيدي
هل من الممكن أن نبني مسارات اجتماعية سياسية والثقة تكاد لتكون منعدمة بين مختلف الفاعلين.
ناتجنا القومي يتأثر سلبا، بضياع ثلاث نقط في مسلسل تنميته، لهذا الانعدام، والذي هو من بين أهم المكونات في الحقل السياسي بين مختلف الفرقاء..
داخل التنظيمات السياسية، صارت الثقة منعدمة داخل البيت الواحد، كما يحدث بحزب التقدم والاشتراكية، حيث القيادة والوطنية لهذا الحزب التاريخي، باتت تنأى بنفسها عن الحضور ، وهو ما يفسر اختفاء وجوه كان لها حضورها، البارز في تاريخ الحزب، وظل الحاج نبيل وحده الصورة المهيمنة على المشهد، في كل اللقاءات والاجتماعات والندوات والخرجات.
لم يعد الرفاق يثقون في أمينهم العام، حيث أن كلام نهاره يمحوه الليل الذي تتضخم فيه الأنا المرضية، لعدم مغادرة كرسي الزعامة ، وبات الصراع على أوجه لانتزاع حق المشاركة وإبداء الرأي في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية أمرا من الأمور الجوهرية..
لنقلها صراحة هل أصبح الاختلاف في التقدير، يبيح الطرد وبسيناريوهات مريضة عملت على تعطيل الاحتكام لقوانين الحزب الداخلية، كما وقع مع أنس الدكالي وبعده لعزالدين لعمارتي وفاطمة السباعي هذه المناضلة التي لها ارتباطات قوية بتنظيمات نسائية جماهيرية واستبدالها بأخرى ضمن تاكتيكات تغيير موازين الصراع لفائدة الاتجاه المحافظ على المناصب والكراسي.
ونفس التداعيات هي التي أدت إلى ظهور قيادة جديدة خنوعة ومستعدة لمجاراة نبيل، في هذا التعنت الأعمى الذي لن يكلفه سوى التدمير النهائي للآلة الحزبية وعزلها عن تربتها الجماهيرية وإخصائها من كل فاعلية سياسية.
لا أحد اليوم يثق في نبيل. ونبيل لا يثق في نفسه للخلود للراحة، خوفا من فقدان مظلة ظلت تحميه من كل مساءلة مجتمعية، عما اقترفه من سوء تدبير وما راكمه من فشل على مدى عقود.
في خضم هذه الأحداث والتطورات، لم يتم الانتباه إلى الوثيقة السياسية والتنظيمية التي وضعتها مبادرة سنواصل الطريق، في مساءلتها لمرحلة من تاريخ الحزب، وصل فيها إلى إدارة الشأن العمومي بتحالفات هجينة وأراد التملص من نتائجها، دون الوقوف على التجربة، باستخراج الخلاصات المطلوبة عن الأداء السياسي في علاقته بعموم المواطنين الذين كانوا يظنون أن الحزب هو ذلك المدافع الأمين على مصالحهم المادية وتجويد حياة الاجتماعية وتطلعاتها المستقبلية.
ودون القيام بالنقد والنقد الذاتي لمختلف الهياكل الحزبية ومواقعها، ولم يرد طي صفحة هذا الماضي بالإعلان عن مصالحة وطنية بين كافة الرفاق وعلى رأسهم نخبه المفكرة والمثقفة في الجامعات الوطنية والمؤسسات الدولية.
وأن التفكير العلمي والرصين والهادئ، في قضايا المجتمع كانت تمثل الخيط الناظم في كل عمليات النضال الاجتماعي، لمناضلين من طينة أخرى لم يكونوا مؤهلين من منطلقاتهم الفكرية وقناعاتهم الإيديولوجية للمساومة على قضايا الوطن والشعب.
ولم تكن تغريهم المناصب التي كانوا يتعففون في الإقبال عنها إلا مكرهين وكلما دعت الضرورات الوطنية لذلك.
اليوم صار الوازع المحرك لنبيل هو إدارة طاحونة لا تبقي ولا تذر لضمان، انتداب رابع وجديد للأمانة العامة وباستخدام أنذل الأساليب بما فيها استعراض العضلات بواسطة رجال شداد غلاظ لا نراهم إلى في الملاهي الليلة، وأن يلعب دور المايسترو لهذه الجوقة ليعزف عنفا مرفوضا ومن كل المنطلقات ولا سيما السياسية، ثم الارتماء على آلة تصوير لمنعها من التوثيق لهذه البلطجة النادرة في تاريخ التقدم والاشتراكية.
نبيل بن عبدالله صار عنوان أزمة كبرى على كل المستويات الأخلاقية والسياسية ولم يعد جاهزا للاستمرار على رأس الأمانة الوطنية للتقدم والاشتراكية، وعليه الرحيل والانسحاب من المشهد السياسي..
وسيكون من الصعب تضميد الجراح التي خلفها نبيل على مدى عقود، وأن القطع مع هذا الإرث من السلوك الفاشستي قد يستدعي زمنا للتغلب على تداعيته، وقد يحتاج لمزيد من الهدوء واستعمال العقل وتأمل ما يجري في العالم، من أزمات وما يجري داخل البلاد من غلاء وصلت تداعيته للفئات الوسطى، وبشكل لم نعرف له مثيلا في ما سبق من مراحل من تاريخنا.
كيف نواجه اليوم كل هذه التراكمات، لنقدم أجوبة لهذا المستقبل الذي ينتظرنا جميعا وبدون استثناء.
من ابتلعوا ألسنتهم واحتموا بالصمت، ليس من حقهم فعل ذلك عليهم اليوم الخروج العلني للإفصاح عم في صدورهم من غيض.
المدخل الأساس للمصالحة الحقيقية بين كل المناضلين ومن مختلف الأجيال، هي إعادة بناء الثقة بيننا جميعا وجعل المصالح العليا للحزب والوطن فوق كل اعتبار وغير قابلة للمزايدات الرخيصة.
كيف نعيد بناء الثقة هذا السؤال الذي يواجهنا جميعا ومن مختلف المواقع؟
عدم الهروب من النقاش الوطني، أو تهريبه إلى القاعات المغلقة والمحروسة بالغرباء والبلطجية.
وأن المداخل الحقيقية لمؤتمر وطني يقتضي توسيع النقاش ليشمل كل الذين يراهنون على الخيارات الديمقراطية من داخل وخارج الحزب في زمن لم يعد ينتج قيادات كاريزمية بل يتجه نحو التدبير الجماعي والتشاركي لمواجهة تحديات لا أحد يملك لها مفاتيحها بحكم والوتيرة المتسارعة للأحداث ودرجات تعقدها.
الثقة هي القيمة الأخلاقية التي وجب علينا استردادها ومن لا ثقة فيه مصداقية له.