الفكر المدني ومتاهات الحرب …

الفكر المدني ومتاهات الحرب …
شارك

       بقلم الأستاذ و الناشط الحقوقي سعيد ألعنزي تاشفين

   كانت الكنيسة تاريخيا تمارس مختلف أشكال التسلط مستغِلة ما تستمد من شرعية من المقدس التيولوجي الذي جعل الحاكم، طيلة العصور الوسطى ظل الله في الأرض . ولذلك ، بعد زمان من الصراع و التدافع ، جاءت ولادة المجتمع المدني ، على أنقاض سلطة الكهنوت التي حكمت بشمال الحوض المتوسطي إبان الزمن القروسطي بالحديد والنار، التي كانت تثير مختلف النزعات العدائية من لدن أعداء عقلنة التاريخ و تجويد السياسة . ولذلك حاول المجتمع المدني بأروبا ، منذ الولادة ، أن يضمن لنفسه الاستقلالية من السلطتين الزمانية و المكانية ، حرصا على صون نبله المؤسّس على فكرة التطوع / التحرر  كفكرة مطلقة انطلقت من ديكارت و بيكون نحو هيغل مرورا بسبينوزا . فميلاد  » مقال في المنهج ، و ربط الوجود بالتفكير من خلال نظيمة  » الكوجيطو  » كان أول تمرد عقلاني واعي ضد التيوقراطيا التي جعلت التأويل الإكليريكي للمقدس و للمدنس ينطبع بخلفيات الفهم الإكليروسي بما ميّع لعبة الصراع/ الدياليكتيك. و عليه جاءت ولادة المجتمع المدني كنتيجة طبيعة لحسم الفلسفة ، كتأمل عقلاني في قضايا الوجود ، و البورجوازية كتشكيلة سوسيو – اقتصادية ، مع مختلف أنماط التحكم المشرعن للتخلف باسم الدين/ المسيحية الكاثوليكية . و مغربيا ، عكس أروبا التي أنجبت المجتمع المدني كسلطة مستقلة بعد مخاض مرير من الحرب ضد زواج الإكليروس / الحكم المطلق إذن ، كانت الولادة قاسية جدا بحيث تجلت قيصرية الولادة بعد مخاض قاس صنعت بريقه الكولونيالية التي عملت على إخضاع جنوب المتوسط عموما و المغرب تحديدا لقربه الجغرافي لمقولة اقتصاد السوق خلال القرن التاسع عشر الميلادي . و فعلا ثم استيراد الحداثة من لدن المخزن ( المخزن هنا كمفهوم تاريخي صرف ) و النخب المدينية التي احتفظت على التقليد في العمق مع شكلانيات  » حداثية  » تروم جلب عطف المركز الإمبريالي تكتيكيا لتفادي الصدام مع ترسانة الحداثة المغرية و القاسية ؛ خاصة غذاة هزيمة إيسلي التي عرّت هشاشة  » المخزن  » / المجتمع و برهنت عن تفوق ما أسميه ب  » العقل الكافر  » . و الأساس أن فكرة الأحزاب السياسية أولا ، ثم الجمعيات ثانيا ، و كلها مؤسسات مدنية ، لم تتجلى يوما كإفراز ذاتي جواني أفرزته الدينامية الداخلية بفضل نضج ميكانيزم الفرز الطبقي و نضج البورجوازية ، بالأحرى كانت تجلٍّ لخضوع كل البنيات لنمط الهيمنة وفق شروط صدمة الحداثة كشرط موضوعي قاهر أملته ظرفية التفوق الأروبي الرأسمالي الذي حرّك هواجس الشرط الذاتي في سياق  » المقاومة بالحيلة  » لتفادي العناد ضد الهجوم الرأسمالي الكاسح . و منذ إصلاحات الحسن الأول ، إلى كتلة العمل الوطني ، نحو حزب الاستقلال ، إلى ميلاد جمعيات الهضاب و السهول المحظوظة ؛ كانت تجليات الحداثة مؤسساتيا مجرد بريق يخفي نكوصية ضاربة الأطناب في أعماق الرجعية ثقافة و سلوكا عبر ممارسات سياسية و جمعوية منمطة على منوال التقييم الانقسامي للأدوار الرمزية و المادية . و لذلك لم يشهد الفعل المدني ولادة طبيعة حتى يتسنى له الإسهام في تقويض دعائم الرجعية المركبة التي لازمت  » الهابيتوس  » مغربيا رغم ما دخل على مختلف الحقول من تحولات طفيفة بعد ردح من زمن التكيف المنهجي مع انتصار  » دار الكفر  » على حساب وهم التفوق الذي لازم المغرب منذ وادي المخازن . و المجتمع المدني ولد معطوبا إذن لكونه جاء كرد فعل ضد الهزيمة النكراء ، و زادت ثقافة الجهل المؤسّس ، كما جسده الفقه الديني مع نخبة أهل الحل و العقد ، تعميق أعطابه خدمة لأجندات متعددة بعدما فشل الفاعل الحزبي عن ضمان الاستقطاب بأدوات السياسة ، ليتحول مجال الجذب إلى الفعل الجمعوي المختزن للكثير من فرص الانزياح و التملص خدمة للتسلط المقصود و بسهولة عبر تحديث شروط القبلية بحلة فعل مدني تدليسي . و بدل أن يكون الفعل المدني مدخلا أساس لبلورة وعي مجتمعي جديد على أساس فكرة الحداثة كماهية مطلقة مشكلة لروح التاريخ الجديد على قاعدة تحرير الفرد من تسلط البنيات الجماعية و تكسير قيود المرأة كنوع بشري و التي كبلتها سياجات التفسير الباتريريكي للنوع الاجتماعي ، نجده يظل فعلا جامحا معقدا لدواعي ذاتية بما يعاند تيار الزمن الجارف القائم على الإخضاع التعسفي للقوالب الرأسمالية . و بدل أن يتشكل المجتمع المدني كسلطة قائمة مستقلة ، أضحى مسرحا لشرعنة الرجعية التي تتشكل كفكر قبلي / اثني / باطرياركي / اوليغارشي – نخبوي / مجالي جد متزمت وفق وهم السرديات الكبرى الملازمة للذات الجمعية . فالفاعل المدني مهما تبجح بخطابات التغيير يظل حبيس رود فعل بسيكو – عقدية تعاند التحول من منطلق  » تحول  » مضاد و المراد قصدا وفق محددات الدفاع النفسي التعويضي الذي لازم تجلي صدمة الحداثة . و أعتبر أن تفكيك خطابات الفاعل المدني تنتهي بنا ، وفق قواعد المنهج كميا و كيفيا ، إلى ضبط خرجات رجعية ارتكاسية تؤسس على لبنات الانتهازية الأثنية والمجالية ، و تصريف عقد التاريخ بأشكال قديمة / جديدة بما يجعل الفعل المدني مجرد تحديث شكلاني لعمق قبلي جد ارتكاسي جامد رغم خدعة الشكل . لذلك تظل سلطة الفعل المدني غير قادرة على مواكبة تحرر الفرد من مختلف الوصايات  رغم الشعارات الطنانة ببريقها الزائف ، حتى إن تعميق البحث في حقل المجتمع المدني يبرز أننا أمام خطابات شوفينية فاسيستية جدا تقدم الفاعل كذات منطوية على تجربتها النفسية الضيقة لدرجة نتمثل فيها جمعيات  » القصور  » و  » الدواوير  » و  » الأحياء  » و  » الفخذات  » .. ، و لكل ذلك تجد الفاعل المدني ينتصر بهوس باطولوجي لمجاله بشكل يجدد الروابط التقليدانية مع التاريخ و الجغرافيا بعيدا عن أنسنة الفكرة المطلقة المسنودة على العقل كما أكد فريديرك هيغل . و نصادف عبارات مثل  » بلادي هذي / تاريخ جدودي / بطولات الأجداد أو هزائمهم / جمعية ولد العم / من العائلة / شركنا الدم / رضعاتو مِّي / الزواج و المصاهرة/ العار / التاريخ / الذاكرة / الهوية .. و كلها أنماط لتشكيلات خطابية تئن إلى الماضي التليد / التضامن العضوي من أجل شرعنة سياقات الراهن و تبرير الاغتيال المعنوي للرموز البديلة التي تتموقع من قلب الحداثة لصالح اللغوس . و يبدو أن الجمعيات تتشكل لدى الأغلبية ( القطيع الجمعوي ) كبنيات قبلية قديمة / جديدة تُعتمد كمداخل لتدبير الصراع بما يتنافى كليا مع فكرة المواطنة المتعالية عن العرق و اللون و الجنس و المجالية الضيقة ، لصالح العقل المنفلت عن كل الوصايات . و أمام سوء فهم المدنية كثقافة جديدة و التي كُنهها المواطنة العادلة ، تُصادف جمعويين متخصصين في تصفية الحسابات مع مجالات أخرى وفق قواعد العار ( العار  هنا مفهوم انثروبولوجي ثابت ) التي تحتفظ بها الذاكرة الجماعية في أرشيف المخيال الفردي و الجمعي ، و هو ما يجعل التوافقات و الاصطفافات عرقية في العمق أو سوسيو – إثنية أو مجالية ضيقة في أحسن الأحوال ؛ حتى أن كل الصراعات التي تحرِّض الهمم و تدفع بعديمي الذكاء جمعويا إلى خوض مشادات حادة تعزى إلى تصفية حسابات الماضي المركب ، لكن بتجديد الشكل تحايلا لمضمون ثابت لا يتحول عرقيا أو مجاليا سوى على مستوى البنية الخطابية . و هنا بسيكولولوجيا تتشكل تحالفات هشة في العمق و صاخبة في الشكل لتخويف الخصوم و التأثير عليهم ، ثم لإخضاعهم وفق قواعد الغلبة التي يسمح بها الحقل الاجتماعي في ظل نسقية معقدة جدا و ضاربة في التخلف و البيزنطية الرمزية . بمعنى أن الذاتية تأتي كمقدمة لمختلف المعارك الملطخة بالعار بإيعاز من أوبئة مجالية مستعصية عن العلاج و بتحفيز من لدن صناع الفرجة المؤدى عنها في قوالب الحروب بالوكالة بما يجعل الفعل المدني مسرحا لكل المعارك النكوصية المسنودة بالأمزجة التقليدية . و لا يمكن للاصطفافات سوى أن تنتهي إلى حائط الموت نظرا لكون فكرة المدنية تنعدم إلا في مستوى خطابات استعلائية عدوانية تستقطب الضحايا ليشكلوا قذائف الهون في حرب الجهل المركب وفق نظائم القبلية  » النازية  » ( الإنسان الأعلى عرقيا ) التي تجعل ممارسة السلطة المدنية و استنزال شرعية السياسة قائمة على التأويل الرجعي – النكوصي للمزاج . و إذا كان الفعل المدني فلسفيا مرتبط بحجة التنوير على أساس اللغوس الذي هو كل إنتاجات العقل كتجل عقلاني لأزمنة جديدة قوامها احترام الفرد ، رغم كل الاختلافات ، كما أكد ماكس فيبر ، لكونه المحك الحقيقي لاختبار نضج النسق كما أكد بودون ، فإن الحال هنا يجعل الفاعل المدني رجل القبيلة الذي يقاتل الأعداء ب  » شهامة  » للضفر بلقب البطولة كفارس المدينة / القبيلة المغوار ، حتى أن  » المناضل  » في معرض دفاعه عن الحق في التنمية كاختبار يجعله يؤسس ترافعه إلى وهم  » ولد البلاد / هذي بلاد جدودي / الأرض ديالنا  !! . و هنا ، وفق آليات اشتغال الوهم ، يشكل تدمير المختلِف مؤشر للفحولة لدى ضحية الهوس الباطولوجي ( الباناروا / وهم التفوق – جنون العظمة ) الذي يدفع به لخوض معارك حامية الوطيس بحسابات الصراعات المخدومة التي تعاند التحول الحي لتظل حية بالذاكرة الجماعية عبر تهور الفرد المدفوع جمعويا كقربان في حرب الرجعية و التقليد . و نلاحظ أن كثيرا من خطابات  » النخبة  » التي تتبجح بالحظوة الأكاديمية بمنطق سيكولاستيكي بئيس لا تتجاوز تصنيفات العرق و اللون و المجال و السلطة الرمزية التي كانت للقبيلة كبوتقة عضوية موغلة في النكوصية .. باستحضار للمواقف العرضانية كنسق فكري جدير به صناعة اصطفافات اليوم و تصريف مواقف ذاتي ضاربة في الأحقاد . بمعنى أن تتبع المواقف الفكرية لدى نخب التحول الشكلاني يبرز حجم الرجعية المختبئة بين سطور الحداثة المغشوشة ، لدرجة أن دعم طرف على نقيض أطراف أخرى في ساحة التدافع المدني ، الجمعوي  و السياسي ، لا يؤسس على فكرة المنطق العقلاني و حجية المواطنة ، بل ينبني على ردود فعل ظرفية جامحة حيال سلوكات بادت مجحفة من أبطال التاريخ / الوهم الذين ينتقمون من الماضي بشكل ما و يتيحون لضحاياه رد الصاع صاعين في معركة تصفية الحسابات في مجالات التنافس الراهن الذي تتاح فيه شرعية استخدام كل الأسلحة بما فيها النيل من الأموات و استرجاع خيباتهم و استثمارها في معارك التموقع . و نجد كثيرا من الصراعات التي تقام بحلبة المجتمع المدني تجد مبرراتها في أحقاد الماضي الذي يحدد ايقاعات الراهن حسب تأثيرات الهزائم و الأمجاد المحنطة بمخيال الأفراد و الجماعات ؛ و هنا تجد لازمة العار مخرجاتها في تشكل فكرة الانقسامية كأداة اجرائية في استصدار مواقف حيال قضايا و اشخاص بعينيهم . إن المجتمع المدني فلسفيا مرتبط بتحرر الأفراد من سلطة الجماعة المتعسفة باسم التنوع في الوحدة و ليس الوحدة في التنوع ، حتى أن مجال الصراع بدل أن يتشكل من صلب راهنية الحقوق ، نجده ينحرف إلى تصفية بسيكو – اجتماعية مرضية للحسابات بما يجعل الخطابات النضالية مجرد أوهام  لا تقدِّر مخاطر الاصطفافات الرجعية و لا تستحضر حكمة  » الجهد يقتل مولاه  » التي نالت من الكثيرين من الباحثين بغباء بيِّن عن البطولة الرعناء في سوق الأجندات الموجهة عن بعد لصالح  » البديل  » المنتظر . فالمناضل بالمحددات الرجعية هذه تجده  » شجاعا  » و  » مغوارا  » في حرب  » الشرف  » و غير متردد مهما تبدو له التحالفات غير منصفة له ، محاولا التموقع في قلب الأحداث و هو يكرر نفسه كثيرا و يجهل مخاطر حقيقية محذقة به في سياقات مجالية و زمنية منذرة بالإفلاس و متحكم فيها عن بعد . و أمام هذا البحث الباطولوجي التعويضي عن اخفاقات الآباء أو الأجداد ، أو عن انتصاراتهم و ملاحمهم ، تتشكل زعامات جديدة تتاح لها كل إمكانيات الظهور ظرفيا في انتظار أن تقدّم إلى المحرقة لتمويتها بشكل رمزي ، ثم بذلك تعلن مرحلة جديدة من الصراع على أنقاض ضحايا جدد ، و هكذا دواليك عبر التحكم في تفويت الشرعية باستغلال أرانب السباق و كلاب القنص وفق معادلة رمزية دقيقة جدا .

   إن فكرة المجتمع المدني تقتضي منهجيا أن يتسلح الفاعل المدني بالحد الأدنى من الفكر الفلسفي منذ ديكارت ، إبان اللحظة المؤسسة لولادة الأزمنة الراهنة ، إلى سبينوزا ، و انتفاضة العقل على متاهات الإنزياح التيولوجي ، نحو الفكرة المطلقة عند هيغل ، بعد ضبط دقيق منه لكيفية تدبير الصراع بين تحالف السلطة زمنيا / مكانيا ( حكم سياسي مطلق / تحكم تيوقراطي كنسي ) ؛ قبل أن يصبح الفاعل المدني نمودجا لشيخ القبيلة بلباس العصر  » الحداثي  » لإخفاء عمق ارتكاسي بئيس على خُلف فكرة المواطنة . و من تمظهرات أزمة الفعل المدني تجديد سلطة القبيلة و البطريارك عبر تشبيب الشيوخ ( إمغارن ) وفق حاجة شيوخ الرجعية إلى توضيب الخطابات و تعبيد الطريق لتجديد  » حرب طروادة  » في انتظار تقديم ضحايا جدد إلى المقصلة بما سيجعل هؤلاء الضحايا وقود جهنم للقادم من الأيام تحت تداعيات الحروب الموجهة عن بعد على درب منح المشروعية للنماذج المنحطة على شظايا العقل المنفلت  من تجاذبات التاريخ . لذلك فأسئلة العمر ، لدى موجهي الصراع ، و صناع رمزية المجال ، و دوره في تصفية الحسابات ، و التراتبية الأوليغارشية ، و نمطية الباطريارك ، و هوس الغلبة في ضبط رمزية الفضاء العمومي ، وغرور الأصنام .. كلها تشكل محددات الحقل / الهابيتوس التي تبحث عن نمادج عديمة الذكاء الاجتماعي لتشكل حطب الجحيم بما يعرقل مدنية الفكر لصالح رجعية السلوكات و نكوصية التمثلات ، و هنا يصبح  » مشروعا  » تلطيخ الخصوم و قتلهم معنويا بأسلحة العورة و ما تحت الحزام .

       و لكل ما سلف ليس سهلا الاعتراف بوجود فعل مدني حقيقي بالمعايير المعيارية فلسفيا ، اللهم نفخ رماد التاريخ لتجديد الصراعات بأشكال حرب ناعمة بحثا عن جثامين تُوارى الثرى بالمقابر الرمزية المعدَّة سلفا للضحايا من عديمي الذكاء الاجتماعي الذين يتم تنصيبهم ك  » زعماء  » الحرب الحامية الوطيس عبر دعم النمذجة التي تغري الرعاع و الغوغاء لصالح إعادة ترتيب الحقل الإجتماعي بما يخدم رهانات التحكم البسيكو  – وجداني تطويعا للعقل النقدي الذي يعتبر صلب الفعل المدني ، و بتوظيف عدة ميكانزمات منها إقامة الأصنام و النفخ فيهم، و نهج التكرار في نبش عورات الخصوم و التلذذ بأعطاب التاريخ . و لعمري لقد كان غوستاف لوبون عميقا في متنه  » سيكولوجيا الجماهير  » و هو يفكك دواعي تنصيب الأصنام من لدن الدهماء و العوام .

   ترى متى يجوز الحديث عن فعل مدني سليم في كنف القبلية ، و العشائرية ، و الإثنية ، و المجالية ، و الذكورية ، و العائلية ، و الطائفية على أشلاء المدنية كأسلوب حياة قائم قيام العقل كنظيمة مؤسِّسة لما سمّاه إيمانويل كانط ب  » العقل النقدي  العملي  » كوصفة علاجية إيذانا بمحو تداعيات شيوخ الرجعية لصالح تشبيب الفكر لا تشبيب الرجعية و النفخ في رماد التاريخ بمنطق  » و على أهلها جنت براقش  » .

      إن الانخراط في صلب المجتمع المدني كلحظة انعتاق معيارية يفيد الانتقال المنهجي من حياة الطبيعة أولا ، نحو حياة التحكم و الاستبداد الناعمين ثانيا ، إلى فكرة المواطنة المنفلتة عن كل أشكال التسلط و الوصاية في نهاية المطاف . بمعنى ضرورة التموقع في قلب اللغوس كتأمل عقلاني راجح في كل أسئلة المجال / التراب .

            و نتساءل ختاما : كيف يمكن لنا حسن تمثل الفكر المدني ، و جمعياتنا أضحت أبواقا للعطارين ، و  » البراحة / مفردها لبرّاح  » ، و الأصنام ، و الشيوخ بمقياس التاريخ ، و المعطوبين في معارك الحرية الفردية ، و ضحايا الغيبوبة الفكرية ، و دعاة النعرات القبلية – الإثنية / وهم التاريخ و تعسف الجغرافيا  ؟!

           كيف يمكن الاستدلال على مدنية الفكر و مجتمعنا المدني مجرد جمعيات  » لحرمل و الجاوي  » !  » الحناء و الأضرحة  » ! ، » التسول و الإحسان  » ! ،  » العسل و الخبز  » !!!

            إن روح الفعل المدني ليس سوى العقل / اللغوس على نقيض الأوهام المجددة للدم و الطوطم و كل أشكال التضامن الآلي و العضوي كما فسرته السوسيولوجيا الانقسامية . ترى متى نحرر الفعل المدني من الأوهام !! و من الأصنام !! و من الرجعية ، و من استئساد القطيع و غلبة الرعاع باسم سيلان دمقرطة الولوجيات !

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *