هل أعطاب الأحزاب السياسية، ستنتصر لإشكالية ترويض الديمقراطية؟
فؤاد الجعيدي
يبدو أننا نعيش تمنعا جليا وواضحا لتنزيل الممارسة الديمقراطية في السلوكات اليومية لمناضلي الأحزاب، من مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والأيديولوجية. كل يبحث عن تموقع لنفسه فوق الآخرين، وقد تم تغليب الأنانية على متطلبات المرحلة الوطنية، التي تحتاج لجهود الجميع للتغلب على الإرث القديم.
البعض لم يتجاوز حلقيات سنوات السبعين، بما أفضت له من تناحر كان فيه الخاسر الأكبر الوطن، على حساب فئاته التي تزداد أوضاعها هشاشة يوما بعد يوم.
ومن كانت له مدرسة يشيد الجميع، بما أسسته من تفرد وعطاء بفضل مناضليها ومثقفيها، في تقديم صورة لائقة في تدبير الاختلاف، وتبني رؤى شمولية في التحليل السياسي الموضوعي، وفي تغليب المصلحة العليا للوطن والشعب دون مزايدات رخيصة، هو الآخر دخل منعطفا أعمى لا يحمل أي تبشير بالخير في خدمة تطلعات الناس.
اليوم تتهافت الأحزاب، على الأعيان وأهل النفوذ المالي، في الاستحقاقات القادمة، والبعض يراهن دون خجل على استقطاب من لفظتهم أحزاب واحتضتنهم أخرى، حيث الترحال السياسي بات كما ينام في بذلة ويستفيق على أخرى، أو كم يتلذذ في تغيير السيجارة بأخرى ذات نكهة أخف.
إذن الأحزاب تفقد هويتها، قد لا يكون الأمر قوي التبعات كما يحدث في أحزاب اليمين، والتي لها قوالب جاهزة ولا تأثير للوافدين في الخط السياسي العام للحزب.
لكن الأمر تصبح له تداعيات قوية، كما حدث في وسط الاشتراكي الموحد وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية.
هناك لقاءات فيها موائد دسمة، لما لذ وطاب ونساء يزغردن على كلام معسول ومرشح يدعي مسبقا للفوز بالمقعد كما حدث نواحي بركان.
أما ما حدث في القنيطرة فيعطي صورة عن ارتداد خطير، حين يتم تدشين براكة تنعدم فيها الشروط الصحية للبشر، ويعلق على واجهة البراكة شعار، يصبح أكثر سخرية بالدلالات التي يقدمها، وفي مدن أخرى يتم الزواج غير الشرعي بين ألوان قادمة من الاتحاد الدستوري والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري لتلتحق بحزب قيل عنه في زمن سنوات الجمر والرصاص أنه كان حزبا عنيدا وصار اليوم كديك رومي منفوش الريش بالخديعة والتضليل.
أين نحن اليوم من مسألة الديمقراطية كمسار من البناء التاريخي وهو المسار الذي راهنت عليه الدولة كخيار استراتيجي؟
إن هذه المواقف للأحزاب الوطنية بما تنتجه من العبث تزج ببلادنا، إلى تعميق النفاق والخديعة للمواطنين الذين باتوا يرون أن ما في القنافذ من أملس.
على نخبنا المثقفة اليوم، أن تخرج من صمتها وكفانا من ابتلاع الألسن، علينا الكشف عن الحقائق المضرة بالمسار الديمقراطي، بكل ما يستدعي الأمر من جرأة وقوة لمقاومة هذا الابتذال الذي تغذت منه القوى الظلامية واليمينية وأعداء الديمقراطية.
على كل المناضلين الذين تم الاستخفاف بأحلامهم وأمانيهم في وطن يتسع للجميع، أن يساهموا في النقاش البناء من أجل تغيير هذا الوضع، الذي يراهن عليه محترفو السياسة، كي يظل بركة راكدة من المنافع لمن أدركوا من أين تأكل الكتف، وظلوا يزايدون على البسطاء، الذين أدركوا أن حبل الكذب قصير. لكن من تعودوا على الكذب لم يقنعوا بعد بأن الناس استيقظوا من أضغاث الأحلام، وباتوا أشد فطنة في هذا الزمن التكنولوجي الذي دمقرط وبقوة حق الوصول إلى المعلومة، ولم تعد حكرا على سياسيينا الذين لا زالوا في غيهم يعمهون.