لتظل جامعة الحسن الأول بسطات رائدة في النقاش الفكري الرفيع
فؤاد الجعيدي
لا أحد ينكر على جامعة الحسن الأول بسطات مكانتها العلمية والمعرفية، وعلى امتداد سنوات وجودها بمدينة سطات شكلت شعلة في فكرية وثقافية بكل مكوناتها من الكليات والمدارس، وظلت على مدى سنوات وجودها تحتضن ندوات وتظاهرات فكرية استقطبت نخبا وطنية ودولية.. وأن ثمار عملها امتد تأثيراته إلى العديد من الدول الإفريقية التي استفاد شبابها مما توفره من دراسات أكاديمية..
لكن ما نلاحظه أن أطرافا من داخلها قد ساءت بمنزلقاتها للحرم الجامعي بنشرها لبيانات أقل ما يقال عنها أنها تتنافى مع الأخلاق والقيم الإنسانية، حين تحولت فجأة للنبش في خصوصيات الناس واستخدام لغة رديئة، لا نعهد استعمالها حتى لدى عمال الوحدات الصناعية.
هذا المسار شكل تشويشا على سمعة الجامعة وعلى وظائفها البيداغوجية بالأساس.. ويمكن أن نستنتج من هذا الوضع انقلابا في العلاقة المفترضة بين الجامعة ومحيطها، باعتبارها الحاضنة للتفكير العقلاني والبحث العلمي، للتأثير في رؤى هذا المحيط والانتقال به إلى أسس التمدن والحضارة..
لكن ما وقع ويقع أن محيطها الموسوم بمظاهر التخلف، بات يجر الجامعة إلى حلبات صراع ليست لها ويعمل على تضخيم الأحداث إلى درجة الضغط على المنتسبين إليها، وفي كذا ظروف بات الجميع ينسى فضائل الأساتذة الأجلاء في المختبرات والمدرجات، وما يشتغلون عليه من نظريات وأفكار معرفية تهم بالأساس في أجزاء كبيرة منها واقع الناس وقيادتهم في عصر اقتصاد المعرفة للانفتاح أكثر على العلوم التي يظل الرهان عليها وحدها للخروج من التخلف الأعمى..
هذه الجامعة بالذات احتضنت خيرة الأطر الجامعية وكان لها نصيب في المناقشات الجدية لقضايا وحدتنا الترابية بل ساهمت بحظ وافر منذ وجودها في تمكين العديد من الموظفين المحليين من اكتساب شهادات عليا وعملت على مد المقاولات الوطنية بنخب تساهم اليوم في المؤسسات العمومية والخاصة من مواقع المسؤولية..
وامتدت هذه الفضائل إلى العمق الإفريقي والشاهد الأبرز على ذلك الطالب برنار غومو خريج المدرسة الوطنية الذي عين رئيسا للحكومة الغينية. إلى جانب أنها تنمي في طلبتها ناديا للترويج لقيم التضامن وجمع التبرعات لتحسين جاذبية مدارس القرى ودعم تلامذتها بالأدوات المدرسة أو لحفر وتجهيز الآباء للقرى النائية.
علينا جميعا أن ننتبه إلى أن هذا التبخيس الذي يجري لنويا ضيقة وموغلة في التخلف تعود كلفته الباهظة على حجم الاستثمارات الذي توفره المالية العمومية، لتطوير قدرات مواردنا البشرية وتأهيلها للمساهمة في بناء المجتمع والعمل على تنميته.
حان الوقت لأن نتجاوز حالات الهدر المرضية، وأن نستوعب أن وجود جامعة من هذا الحجم بمدينة سطات تحتاج منا على أقل لتقدير جهود أساتذتها الأجلاء وما يقومون به من وظائف في شتى العلوم والتخصصات، وأن نتعلم الإنصات إلى ما تنتجه من مواقف وآراء وأفكار وأن نقترب منها كلما سمحت الظروف من خلال ندواتها الوطنية والدولية..
الاعتراف لا بد أن يرافقه التقدير للأساتذة والباحثين، فلا خير في أمة لا تحترم علماءها وتقدرهم حق قدرهم.