خميس الرباط: ذكرى ، وصراع بين الجهل والعقل…!!
بقلم حسن برني زعيم
قل لمن نكلوا بالمعلم تنكيلا
فالعلم من غيره بات مستحيلا
ما أسوأ حالنا ونحن نفتخر ،في بلادنا، بالاستثناء والاستقرار ،وقد بدأنا نفقد الأدلة الكافية على هذا أو ذاك، فقد شاء من شاء أن تكون مدينة الرباط مسرحا لحادث كاف لنسائل ضمائرنا قبل أن يصيبها الخرف ، ولغربلة أقوالنا ودراسة وعودنا و قياس مدى انسجامها مع مبادئنا من جهة ، والمبادئ الإنسانية ، من جهة ثانية، والمواثيق الدولية التي بصمنا عليها من جهة ثالثة وحقيقة المفاهيم التي نتداولها بيننا من جهة رابعة.
وأما الحادث فقد صادف اليوم الخامس من أكتوبر 2023 والذي يذكرنا بخميس إنزكان في اليوم السابع من الأسبوع الأول من شهر يناير عام 2016، والذي يؤرخ ليوم دام عرفته مدينة إنزكان حينما تدخلت قوات الأمن لتفريق الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الأساتذة المتدربون يومئذ.
وإذا كان الفصل الثاني والعشرون من الدستور يمنع منعا كليا أي نوع من الاعتداء على المواطنين سواء أكان هذا الاعتداء لفظيا أو جسديا أو معنويا فإن ما أقدمت عليه قوات الأمن في حق الأساتذة المحتجين يعد اعتداء ثابتا وواضحا وموثقا غاية التوثيق، وهكذا، وفي سياق ما يجري ، نلاحظ ضروبا من الفوضى في المواقف ، تصل أحيانا إلى درجة التناقض ، ومن أجل توضيح ذلك نستعين ببعض التساؤلات من بينها مثلا:
ما مفهوم الاعتداء في نظر المواطنين والسلطات الأمنية والقضاء والهيئات الحقوقية؟ وما هي واجبات رجال الأمن ومتى يتدخلون؟ وما حدود تدخلهم؟ وما هي المعايير المحددة للاحتجاج والاعتصام والمسيرات السلمية؟ وما هي أجندات الحقوقيين والمحامين والكتاب والمثقفين؟
يبدو أن مفهوم الاعتداء فضفاض وغير محدد في نظر المواطنين ، وهذا أمر طبيعي ، فالمواطنون ليسوا متخصصين، بل هم انطباعيون تحكمهم اتجاهات مختلفة تعود إلى مستوى التربية التي تلقوها وكذا نوع السلوكات التي تعلموها من محيط التنشئة أو المدرسة ، وحسب الجيل الذي ينتمون إليه .
وأما السلطات الأمنية فيبدو أن لها مفهوما خاصا للاعتداء ؛ فما يصدر منها إزاء المواطنين تراه » أداء واجب » أو تنفيذ أوامر أو تطبيق تعليمات، وأن هذا الواجب قد يكون سبا أو قذفا أو دفعا أو ضربا أو تنكيلا! بينما تسمي أحد هذه الأفعال أو أقل منها اعتداء بل جنحة أو جريمة يعاقب عليها القانون إذا صدرت من مواطن تجاه مواطن آخر أو إزاء مسؤول، فأين رجال القانون من هذا ؟ ولماذا لم يفسروا للناس حدود مفهوم الاعتداء؟ وما معنى فتح تحقيق ؟ ومن سيتابع نتائجه؟ ومتى يعلن عنها ؟ ومن سيحاسب المعتدين؟ وأين وسائل الإعلام وشعارات الحقوقيين المدافعين عن الحريات ؟ ولماذا لم تتدخل قوات الأمن في حق من يمثل خطرا حقيقيا على السلم والاستقرار ؟ هل هذا الأستاذ الذي يطلب علما به تنشأ الأجيال، ويسعى لخدمة أهله ووطنه، هو من يمثل خطرا على البلاد وسمعتها ؟ أم مجرم حامل سيفا يقطع الطريق على مدار الساعة ؟ يسلب الناس أموالهم وأغراضهم ويروع المواطنين والمواطنات…أم « بلطجي » يسب الناس جهارا ليلا ونهارا بكلام فاحش طائش لا يحتمل؟ أليس أولى أن تحمي قوات الأمن المواطنين في الشوارع والأحياء والحافلات وأمام المدارس ، عوض الهجوم على الأساتذة الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم بطريقة سلمية حضارية ؟ وأما ا الذين برروا التدخل العنيف في حق الأساتذة بعدم الترخيص فإننا نوجه إليهم هذا السؤال:
هل المجرمون وقطاع الطرق بالسيوف يتوفرون على تراخيص للاعتداء على المواطنين ؟ وأي ترخيص يتسلمه ناهبو المال العام وسماسرة الأسعار ؟
لاشك أننا في أزمة « لغة » وحوار ومفاهيم و أخلاق وإدارة وحضارة من بين أسبابها انعدام الإرادة الحقيقية لتحمل المسؤولية كاملة ؛ فقد اعتدنا سماع الخطب السياسية والمداخلات الجوفاء من قبيل ترديد » الحق والقانون » والمحاسبة والعقاب والمساواة أمام القانون، وكلها كلمات أو عبارات لم تعد تعني شيئا بعدما شاهدناه من اعتداء على الأساتذة .
وفي كل حال، وإيمانا بقيمة المعلم ، من أدنى الأسلاك إلى أعلاها، وحبا لهذا الوطن وشعاره الخالد ( الله الوطن الملك) وفي سياق ما يرفع علم بلادنا عاليا رفرافا بين الأمم بالثقافة والرياضة والتضامن ، وأملا في أن يعيش أبناء المستقبل معززين مكرمين في بلد آمن ، ندعو المواطنين والمسؤولين في بلادنا ، على حد سواء، إلى التحلي بتقديم ما يبرهن على المواطنة الصالحة بالأفعال لا بالأقوال والوعود الهاربة ، وإلى العودة إلى المبادئ الحقيقية التي تبني المجتمع ، وذلك لإنقاذ حُشَاشَة القيم، بعدما باتت مهددة، وللأسف ،من لدن بعض أبناء الوطن، بالمال السائب والغش والاختلاس ، و »السياسة الحولاء » والنفاق وخلط الأوراق ، والمتاجرة في المواقف وغيرها من ويلات العصر.
ومادام الحديث حول ملف التعليم ، فإننا نطالب بتفسير هذه المفارقة الغريبة العجيبة، وهي أن كل الذين يكلفون ب »إصلاح » التعليم في بلادنا لا يسجلون أبناءهم إلا في مدارس البعثات الأجنبية لكي يتابعوا دراستهم العليا في الخارج!! فلمن إذن هذا التعليم العمومي ؟ ولمن » يصلحونه » إذا كانوا لا يقصدون به تعليم أبنائهم …!!!؟
وأما ، وقد تكالبت « التكالبات » على التعليم والمعلمين ، وعلى غيرهم من المستضعفين ، فلن يلوم أولئك المتكالبون إلا أنفسهم إذا كانوا ما يزالون يعتقدون أنهم سوف ينعمون في مجتمع أبناؤه جاهلون، ويقودون قطعانا جائعة ظمئة تبحث عن الكلأ والماء، يسلخون جلودها فلا تشعر، ويلتهمون لحومها ويذوبون شحومها، فلا تحس بالهزال يضعفها، ويسرقون ألبانها فلا تقاوم، ويلبسون أصوافها، ويتركونها عارية عرضة للبرد … فلا تبالي…
كلا ثم كلا ….فلم يبق في قاموس التاريخ مكان لكلمة » الحنين » إلى الماضي ، وأما المراهنون على منطق العودة إلى الماضي البئيس ، فإنهم أشبه بسائق سيارة مبتدئ تستهويه المرآة بما ينعكس عليها خلفه من مناظر بعيدة قريبة، فيطيل فيها النظر ليرى ما وراءه وينسى ما أمامه من منعرجات … إلى أن يسقط في الهاوية ، فيهلك دون أن يعرف حجم الخسائر الواقعة من قبلِ حتفه ومن بعدِه . خميس الرباط :ذكرى ، وصراع بين الجهل والعقل…!!
