للفهم والتحليل:
بقلم سعيد ألعنزي تاشفين
الفرق بين الجهوية » المتقدمة » ، كمفهوم ترابي إجرائي مؤصّل دستوريا ، والتقسيم الفيدرالي للدولة ، على غرار أنظمة مقارنة كثيرة شمال البحر المتوسط ؛ فرق شاسع جدا . ففي بنية الجهوية المتقدمة تظل الجهة جماعة ترابية تتخصص في انتاج القرار الترابي الجهوي من دون تجاوز الصلاحيات المخولة للسلطة التنفيذية مركزيا ، بمعنى أن شرعية الجهوية في تكاملها مع التدبير الممركز الذي تمارسه السلطة المركزية الممثلة في المصالح الوزارية الحكومة ، لا في قلب الأدوار لصالح الحكومة ضدا على مصالح الجهة . وعليه ففي جهة درعة تافيلالت نرصد خلطا كبيرا في المفاهيم بما ينعكس سلبا على حق الجهة على امتدادها الترابي الممتد على طول خمسة أقاليم في اهتمامات المصالح المركزية . وعليه أسجل ما يلي :
* في النسق السياسي الفيدرالي تتمتع الجهات بحكومات جهوية لها كل اختصاصات السلطة المركزية ، باستثناء بعض الصلاحيات ذات الصلة بالأمن القومي للدولة ( الجيش مثلا والعلاقات الخارجية .. ) ، والحكومة الجهوية تقوم مقام الحكومة المركزية في تقديم الإجابات لمختلف تطلعات ساكنة الجهة في كل شيء ماعدا ما يتعلق بالثوابت العليا للدولة .
* قيام الجهوية المتقدمة ، في الحالة المغربية لا يعفي الحكومة المركزية من مسؤوليتها في استنزال تنمية منصفة لساكنة الجهة عبر تكامل واضح في الأدوار . ولا يمكن وفق ما هو مؤسّس دستوريا إعفاء الحكومة من مسؤوليتها بمبرر الجهوية المتقدمة .
✓ رصد حالة النشار بدرعة تافيلالت ما بين الجهوية المتقدمة والفيدرالية السياسية :
* نرصد أن مجلس جهة درعة تافيلالت يشتغل وفق حس فيدرالي في ذهنية الفاعل الترابي المشكل لهذه الجهة ، وليس وفق شروط الجهوية المتقدمة كما أسس لها المشرع الدستوري كهندسة ترابية ، بحيث تقوم الجهة بكل مسؤوليات الحكومة بشكل لا يخلو من تعسف ترابي هجين على أساس تقديم خدمات مجانية للحكومة ؛ وكأمثلة حية نذكر ما يلي :
– أولا : مجلس الجهة يخصص ميزانيات مهمة لفك العزلة عن المداشر والقرى ، مما يدفع صندوق تنمية العالم القروي ( FDR ) المسؤول عن تنمية الأرياف إلى نهاية 2023 إلى التملص من المسؤوليات الملقاة على عاتقه ؛ وبالتالي تقدم الجهة خدمة مجانية لصالح الحكومة التي تنقل أرصدة مالية إلى جهات أخرى على حساب هذه الجهة التي ترزح تحت عتبة التهميش الفج والمكشوف .
– مجلس الجهة يخصص ميزانيات مهمة لبناء القناطر والمنشٱت الفنية باسم تسهيل العبور من مناطق إلى أخرى وهو ما يعفي وزارة التجهيز كسلطة عمومية مركزية من القيام بمهامها بالنفود الترابي لدرعة – تافيلالت ؛ وبالتالي تقوم الجهة بإعفاء الحكومة في شخص هذه الوزارة الوصية من القيام بمسؤوليتها حيال حق الجهة في الدعم الحكومي عبر المصالح الوزارية التي تمثلها وزارة التجهيز الملونة ببناء الطرقات والقناطر والمنشآت الفنية الكبرى .
– مجلس الجهة يخصص ميزانيات مهمة لبناء السدود التلية وبمبالغ ضخمة بما يعفي وزارة الفلاحة من القيام بمهامها لصالح الفلاحين الصغار ولصالح الواحات والجبال كأنظمة ايكولوجية هشة ، إذ تقع مسؤولية بناء السدود التلية على عاتق وزارة الفلاحية كما هو مؤطر بقوة الإختصاصات وكما هو معمول في باقي جهة المغرب ؛ لكنت هنا تقوم الجهة مقام وزارة الفلاحة .
– مجلس الجهة يقدم مساهمات مالية مهمة لصالح الجمعيات قصد إقامة مهرجانات « ثقافية » ، وهو ما يعفي وزارة الثقافة من القيام بمهامها لصالح حق ساكنة الجهة من دعم هذه الوزارة للملتقيات الثقافية وللمعارض وكل الأنشطة ذات الصلة . وعليه تفتقد الجهة لأرقام مالية ضخمة على قاعدة قيام الجهة ( جماعة ترابية ) بمهام الحكومة ( إسقاط تعسفي للنسق الفيدرالي ) ؛ وعليه نتساءل :
+ هل يَعتبِر مجلس جهة درعة تافيلالت نفسه حكومة جهوية ؟! بما يجعل التأويل الفيدرالي للسلطة يحل محلّ الجهوية المتقدمة كهندسة ترابية ، وخاصة مع التصويت على اتفاقيات متعددة مع جماعات محلية لصالح وزارات الداخلية والفلاحة والتجهيز والثقافة و .. !! ومع مصالح أخرى بما يعفي الحكومة بالمطلق من تحمل مسؤوليتها في رفع مؤشرات التنمية البشرية والمستدامة بجهة درعة – تافيلالت !!
+ هل مسؤولية الجهة ، كجماعة ترابية خاضعة لقانون تنظيمي مستقل عن الجماعات المحلية وعن مجالس الأقاليم والعمالات ( كلها جماعات ترابية لكن لكل واحدة منها قانون تنظيمي خاص بها ) وبشكل دستوريا مستقل عن القانون المنظم لعمل الحكومة ؛ هو القيام بمهام المصالح الوزارية بما يعفي الحكومة من مسؤوليتها في رفع درجة التنمية بهذه الربوع المتخلفة عن الركب التنموي الذي تقوده الحكومة نفسها بجهات أخرى بأموال عمومية لا تخلو من أموال هذه الجهة التي تعيش خلطا كبيرا في المهام والمسؤوليات بين الجهة كجماعة ترابية والحكومة ومعها كل السلطات العمومية !!
أعتقد أن دور الجهة هو القيام بمشاريع كبرى تؤسس للإقلاع المنتظر من خلال استدراج المصالح الوزارية ( الحكومة ) إلى القيام بواجبها حيال الجهة وفق برنامج استعجالية للتنمية الجهوية الذي تقع ( أي البرامج ) على عاتق الجهة ضمن مخططات ترابية تولد بالجهة وتقع على عاتق الدولة في شخص الحكومة ، بدل القيام بإسقاطات تعسفية تجعل فتح المسالك وبناء السدود التلية والقناطر والطرق القروية والمهرجانات .. تقع على عاتق الجهة بما يجعل جهة درعة تافيلالت بمنأى عن اهتمامات السلطة التنفيذية التي تقدم خدمات عمومية لصالح كل الجهات بالوطن باستثناء هذه الجهة التي نشكر جزيلا مجلس جهتنا لأنه يعمل مكان الحكومة بشكل مخل بالقوانين التنظيمية ووفق خلط منهجي غريب يُحِل النسق الفيدرالي ( مرجعية سياسية ) محل النسق الترابي ( الجهوية المتقدمة ) ، وهو ما يجعل الحكومة لا تساهم في تحريك عجلة التنمية ، وبما يجعل الجهة تقدم خدمات مجانية من مدخل هدر المال العام بشكل مشرعن في مشاريع تدخل في اختصاصات غيرها من الجماعات المحلية ومن المصالح المركزية داخل خلط هجين يجعل الجهة من جهة مجرد جماعة محلية ، أو من جهة ثانية حكومة جهوية تقوم مقام الحكومة المركزية ؛ وكلها انزياحات تسيء لإنتاج قرارات ترابية مفيدة وبما يُعفي السلطة التنفيذية المركزية ( الحكومة ) من القيام بمهامها وإنفاذ مسؤوليتها من خلال وعي سليم بالفرق الشاسع بين الجهوية المتقدمة والفيدرالية ؛ وطبعا لا يمنع قانونيا بناء شركات أفقية أو عمودية ، لكن لا يمكن إعفاء الحكومة من مسؤوليتها باسم الجهوية المتقدمة التي لا تعني بالمطلق النظام الفيدرالي .