قراءة في رواية » تاء الخجل » للروائية الجزائرية : فضيلة الفاروق.
عز الدين شافي.
لا يمكن لنا تناول قضايا الرواية المغاربية دون الحديث عن علاقة هذه الرواية بالتحولات السياسية التي عرفتها الأقطار المغاربية وما شهدته من تحولات فكرية عميقة منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي إلى اليوم ،كما يجدر بنا التطرق إلى علاقة هذه الرواية المغاربية بكل القضايا الاجتماعية والثقافية التي عالجتها أو تناولتها بكيفيات مختلفة وبرؤى فلسفية متعددة …ولقد سبقت الإشارة إلى الرواية الجزائرية من خلال رواية « الجنازة » لرشيد بوجدرة التي تناولت قضايا الإرهاب الدموي الذي عاشته الجزائر بعد إلغاء الانتخابات التشريعية التي فاز فيها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المعروف اختصارا ب ( فيس) وهو ( حزب إسلامي كان يترأسه عباس مدني وعلي بلحاج، وتم الاعتراف به رسميا في عهد الرئيس الجزائري الشادلي بن جديد سنة 1989..)
تعتبر فضيلة الفاروق من الرائدات في مجال الكتابة الروائية الجزائرية وتتميز بجرأة كبيرة في تناول كل الممنوعات والطابوهات التي يستعصي على كتاب الرواية تناولها بكامل الحرية …
فضيلة الفاروق من مواليد مدينة آريس » بالشرق الجزائري و تنتمي إلى أسرة أوراسية من أصول شاوية أمازيغية وتعتبر منطقة الأوراس مهد ثورة التحرير الجزائرية، درست بثانوية « مالك حداد » بمدينة « قسنطينة » وحصلت على شهادة الباكالوريا في شعبة الرياضيات ثم انتقلت الى جامعة « باتنة » لدراسة الطب لكنها تخلت عنه والتحقت من جديد بجامعة « قسنطينة » لدراسة الأدب العربي سنة 1989…كما اشتغلت بالصحافة والكتابة الأدبية ….وتعتبر مدينة قسنطينة فضاء جوهريا في رواية تاء الخجل باعتبارها ذاكرة وتاريخا وطنيا وتجسيدا للثقافة الجزائرية عبر التاريخ وهو ما نلاحظه أيضا في روايات أحلام مستغانمي
رواية « تاء الخجل » لفضيلة الفاروق تختلف عن الروايات التقليدية التي تعتمد على تسلسل الأحداث المسرودة بضمير الغائب، لكونها رواية مركبة من لوحات ومشاهد وتأملات وجدانية على شكل خواطر سردية يحضر فيها الذاتي والأسري والاجتماعي ومشاهد الألم والمعاناة والقهر التي تعاني منها المرأة الجزائرية، كما تتطرق إلى الفوضى السياسية التي عرفتها الجزائر خلال العشرية السوداء وما تعرضت له النساء من اغتصاب واختطاف وقتل وحشي مارسته الجماعة الإسلامية المتطرفة باسم الدين ..
اختارت فضيلة الفاروق أن تكتب هذه الرواية بناء على فصول درامية مختلفة ومتداخلة ومتجانسة لا تنفصل عن التيمة المحورية التي يحيل عليها العنوان « تاء الخجل » الدال على تهميش المرأة الجزائرية وقهرها بعادات وتقاليد بائدة ومختلفة ….
تسرد ساردة الرواية علاقتها المبكرة مع أفراد أسرتها ووالدتها المضطهدة من طرف زوج صارم ومتسلط ومع عماتها اللواتي كن يكرهن والدتها وعن عواطفها وميلها لحب العلم وتدخل اعمامها في حياة والدها ومطالبتهم بعدم إرسالها إلى الجامعة خوفا من العار فصل (أنا والعائلة ) ،كما ترصد بدقة وبراعة روائية الوضع السياسي والاجتماعي الجزائري خلال العشرية السوداء ، واصفة الحالات الإنسانية المؤلمة والمرعبة التي عرفتها مجموعة من المناطق الجزائرية وما عانته النساء بالدرجة الأولى من وحشية واختطاف وتعذيب همجي وقتل مرعب…: « صمت الشوارع مخيف والناس وقوف والنعوش الخضراء تقصد بيوتها الأبدية ..(« ص 38) « أصبح الخطف والاغتصاب استراتيجية حربية ،إذ أعلنت الجماعات الإسلامية المسلحة GIA في بيانها رقم 28 الصادر في 30 نيسان(أبريل ) أنها قد وسعت دائرة معركتها … »(ص36 ) ، كما تغوص في جزئيات هذه المشاهد الدموية الأليمة التي عانت منها طفلات قاصرات وجدن أنفسهن مرميات في المستشفيات بعيدات عن أسرهن ، ينتظرن الموافقة على إجهاضهن من طرف السلطات الجزائرية، ويبرز هذا المشهد الوحشي واضحا وجليا في الفصل الرابع المعنون ب (يمينة ) حينما تم تكليف الكاتبة بإعداد تقرير صحفي عن النساء المغتصبات ضحايا العنف الجنسي الذي مارسته الجماعات الإسلامية المتطرفة باسم الدين والأخلاق … »
« هل تعرفين ماذا يفعلون بنا؟؟
إنهم يأتون كل مساء ويرغموننا على ممارسة « العيب » وحين نلد يقتلون المواليد، نحن نصرخ ونبكي ونتألم وهم يمارسون معنا العيب ،نستنجدهم نتوسلهم ،نقبل أرجلهم ألا يفعلوا ذلك ، وهم لا يبالون …. » ومشاهد كثيرة مؤثرة اشتملت عليها هذه الرواية
على العموم يمكن القول بأن رواية « تاء الخجل » ممتعة ومثيرة ومشوقة لأنها تحفز القارئ على مسايرة الحكي والتمعن في الشخصيات والكشف عن الأبعاد الرمزية التي تحيل عليها الشخصيات والأحداث المختلفة حسب الفصول
لقد قدمت فضيلة الفاروق للقارئ العربي والمغاربي خصوصا مشاهد درامية ودموية عاشتها الجزائر في ظروف سياسية صعبة ومؤلمة بأسلوب فني يمزج بين التعبير الشعري والسردي والتأملي الانطباعي والمزج بين الواقعي والمتخيل الروائي في نسق سردي لا يخضع لمنطق الحكي التسلسلي المعتاد في الرواية الواقعية.