ما هي آثار تنفيذ قانون تعميم التأمين الإجباري على قطاع الصحة بشقيه العمومي والخاص؟

ما هي آثار تنفيذ قانون تعميم التأمين الإجباري على قطاع الصحة بشقيه العمومي والخاص؟
شارك

محمد خوخشاني، ناشط حقوقي.

 السؤال يضع الأصبع على جوهر التناقض بين شعارات تعميم التأمين الإجباري (AMO) وما يعيشه الواقع الصحي بالمغرب. يمكن تفكيكه على مستويين:

  1. لماذا لم يستفد القطاع العمومي بالصورة المطلوبة من تعميم التأمين الإجباري؟

ضعف الاستثمار الموازي: الدولة ركّزت على تعميم التغطية، لكنها لم تُرفقها بإصلاح جذري للمنظومة العمومية (تجهيزات، أطر طبية، حكامة).

نزيف الكفاءات: العديد من الأطباء يفضّلون القطاع الخاص أو الهجرة نحو الخارج بسبب ظروف العمل وضعف التحفيز داخل المستشفيات العمومية.

البيروقراطية والاختلالات: مشاكل في التدبير، غياب الشفافية، وتفاوت كبير بين المستشفيات الجهوية والجامعية.

الضغط المتزايد: ارتفاع عدد المستفيدين من التأمين خلق طلبًا أكبر على الخدمات، في حين أن العرض العمومي لم يتوسع بالسرعة نفسها.

  1. السر في ازدهار المستشفيات الخاصة مع دخول التأمين الإجباري حيّز التنفيذ

تحول السوق الصحي: مع امتلاك ملايين المواطنين بطاقة تأمين، أصبح لهم قدرة شرائية صحية، ما جذب المستثمرين نحو القطاع الخاص.

ضعف القطاع العمومي: غياب ثقة المواطنين في الخدمات العمومية (ازدحام، نقص تجهيزات، مواعيد طويلة) دفعهم تلقائيًا إلى القطاع الخاص.

جاذبية الاستثمار: القطاع الخاص أصبح مجالًا مربحًا، إذ أن شركات التأمين تؤدي تكاليف العلاجات، مما يشجع على فتح عيادات ومصحات ومستشفيات خاصة جديدة.

تشجيع غير مباشر من الدولة: في كثير من الحالات، السياسات العمومية نفسها فتحت المجال أمام الخواص لتعويض تقصير القطاع العام بخصوص التطبيب، بدل إصلاحه بعمق.

الخلاصة

المنطق السليم: كان من الأجدى أن يُربط تعميم التأمين الإجباري بتقوية القطاع العمومي أولًا (تجهيزات، موارد بشرية، حكامة)، ليكون هو المستفيد الأول.

الواقع العملي: ضعف الاستثمار في الصحة العمومية جعل تعميم التأمين يتحول عمليًا إلى رافعة لانتعاش القطاع الخاص، بدل أن يكون وسيلة لإحياء القطاع العام.

إذن، لإعادة التوازن وجعل التأمين الإجباري في خدمة الجميع (القطاع العمومي والخاص معًا)، يمكن تصور مقترح استراتيجي من ثلاث خطوات عملية:

  1. تقوية القطاع العمومي أولا

رفع ميزانية الصحة العمومية بشكل تدريجي لتصل إلى المعايير الدولية (12% من الميزانية العامة على الأقل).

تجهيز المستشفيات الجهوية والإقليمية بأحدث الوسائل الطبية.

تحفيز الأطباء والممرضين (أجور، ظروف عمل، تكوين مستمر) للحد من نزيف الهجرة نحو الخارج أو التوجه للقطاع الخاص.

  1. ضبط العلاقة مع القطاع الخاص

وضع تسعيرة وطنية موحدة للعلاجات حتى لا تتحول المصحات الخاصة إلى سوق مفتوح يستنزف صناديق التأمين.

فرض شراكات إلزامية بين القطاع الخاص والدولة، مثل تخصيص حصص من الأسرة لذوي الدخل المحدود.

مراقبة جودة الخدمات وأسعارها من خلال هيئة مستقلة.

  1. حكامة وشفافية

رقمنة كل المسارات (مواعيد، ملفات المرضى، الأداءات) لتقليص الرشوة والمحسوبية.

نشر تقارير سنوية حول استعمال موارد التأمين: كم استفاد القطاع العمومي وكم استفاد الخاص.

إشراك المجتمع المدني في تتبع تنفيذ الإصلاح الصحي وضمان حق المواطنين في الولوج العادل للخدمات.

 ختاما، بدون هذه الخطوات الثلاث (تقوية العام، ضبط الخاص، ضمان الحكامة)، سيبقى تعميم التأمين الإجباري مجرد رافعة لتقوية القطاع الخاص على حساب صحة المواطن البسيط.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *