بين النموذج التنموي الجديد والاستحقاقات المقبلة : مساحة حبلى بالحاجة إلى تجويد المشاركة السياسة
بقلم الأستاذ مراد أختي؛ باحث في السياسات العمومية
مبدئيا تعتبر الانتخابات عملية سياسية و تقنية تخول للمواطنين اختيار شخص (مرشح) أو عدد من الأشخاص (المرشحين) ليكون ممثلا للجماعة التي ينتمي لها وفق قواعد الديموقراطية التمثيلية. فالانتخابات تعتبر أهم مظهر للمشاركة السياسية في النظم الديمقراطية ، كما تعتبر القناة الرئيسة لتمكين المواطنين في اختيار من يمثلهم ، ضمن المرشحين المشاركين في العملية الانتخابية ، بحيث يفترض أن تتوافر في هذا الشخص الأهلية كما يحددها المشرع الانتخابي والكفاءة اللازمة للدفاع عن حقوق المواطنين، والمساهمة في صناعة السياسات العمومية سواء الوطنية أو الترابية عبر ترافع سياسي مستدام .
وبما أننا في مرحلة جديدة متميزة باعتماد المغرب من جهة أولى لنموذج تنموي، جديد بعد فشل النموذج التنموي القديم ، ولكونه من جهة ثانية مقبلا على الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية في اليوم نفسه، فإن هذه الأخيرة أي الانتخابات بجميع مستوياتها ، تعتبر محددا أساسيا وموجها حاسما لأجرأةالنموذج التنموي الجديد، حيث إن هذا النموذج التنموي يحتاج إلى فاعلين سياسيين قادرين على بلورة سياسات عمومية وطنية وسياسات عمومية ترابية تستطيع تنزيل الرؤية التنموية على أرض الواقع من خلال حسن استثمار كل المتاح من النصوص التنظيمية، وإلا فإن هذه الانتخابات في حالة عدم اختيار المواطنين للسياسيين الذين تتوافر فيهم الشروط اللازمة، سوف تكون سببا رئيسا في عرقلة تنزيل النموذج التنموي الجديد؛ أو على الأقل سببا مباشرا في عدم تحقيق الأهداف المسطرة في رهانات الدولة بالشكل والمستوى المطلوبين، حيث سيعرج هؤلاء الفاعلون السياسيون على اتخاذ مجموعة من القرارات السياسية العبثية التي سوف تؤثر بشكل ملموس على مختلف مستويات الحياة العامة للدولة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأمنيا وهو ما يستدعي بالضرورة مشاركة سياسية حقيقية لاسيما من فئة الشباب والنساء من مدخل مقاربة النوع. وعلى هذا الأساس يجب على جميع المواطنين، ولاسيما فئة الشباب، أن يكونوا على مستوى عال من المسؤولية المواطنتية وأن لا يستخفوا بقيمة العملية الانتخابية، لأنها محددا لتجويد السياسات العمومية الوطنية والترابية، ذلك لكون تقدم الدولة ليس رهينا فقط بخلق نموذج تنموي جديد أو نموذج تنموي متقدم ، بل رهين لزوما بقدرة الدولة على تنزيل وتحقيق هذا النموذج التنموي الجديد على أرض الواقع بما في ذلك صون حرمة العملية الانتخابية بقيم النزاهة و الكفاءة ، باعتبارها الرحم الذي ينتج المسؤولين السياسيين الذين سيتولون صناعة القرار العمومي مستقبلا ، وفي هذا السياق أكد صاحب الجلالة في الخطاب الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب على » … إن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية ، تخدم مصالح المواطنين ، وتدافع عن قضايا الوطن … »
فالانتخابات ليست غاية كما صرح العاهل المغربي وإنما هي وسيلة لخلق نخبة سياسية محنكة لخدمة مصالح المواطنين وتنمية البلاد .
وبما أننا نمر من سياق سياسي يتسم بضعف ثقة الشباب تحديدا و المواطنين عموما في الفاعلين السياسيين ، وفي ظل انتشار العزوف عن صناديق الاقتراع، فإن ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن عدم التصويت في صناديق الاقتراع لا يمكن أن يشكل حلا بتاتا ، ذلك لكون عدم التصويت لا يعني أن العملية الانتخابية لن تفرز نتائج معينة، بل إن عدم التصويت يفسح المجال أمام شخص غير مؤهل ولا تتوافر فيه مؤهلات النزاهة و الحكامة و الإستقامة للظفر بالتمثيلية الشعبية .
لذلك فصناديق الاقتراع بحاجة ماسة إلى شباب مدرك للسياق السياسي الذي نمر به، و قادر على التفاعل الإيجابي معه، عن طريق اختيار الشخص أو الأشخاص الذين يشكلون كفاءات قادرة على حسن تمثل الدرس الديموقراطي عن طريق متابعة الحملة الانتخابية ومقارنة البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية، مع الاطلاع على التاريخ السياسي والاجتماعي للشخص المرشح للانتخابات بشتى درجاتها ، وعن طريق هذا النوع من المواطنين الواعي والمثقف والمتتبع للحياة السياسية، لابد وأن النخب السياسية سوف تخضع لمنطق التداول وتعمل على تطوير نفسها وتقديم أحسن ما فيها، كما ستعمل على استقطاب الشباب و النساء والطاقات والكفاءات المناسبة وهو ما سيساهم بشكل قوي في تجويد المشهد السياسي، كما سيساعد على تنزيل النموذج التنموي الذي سيمس الأفراد بشكل مباشر في كل مجالات حياتهم .
ختاما إن النموذج التنموي الجديد مهما كان مميزا ومتضمنا لرؤيا تنموية ناجعة منبثقة من البيئة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمادية واللامادية للمغرب ، فإنه لابد من أن يجد منظومة من الحكامة متعددة الأبعاد ، قوامها المشاركة السياسية الحقيقية خاصة من لدن الشباب ، بالإضافة إلى نشر الوعي السياسي لدى عموم المواطنين بما يجعلهم يرفضون كل أشكال الاستغلال من قبل مرشح فاسد قد يحاول شراء أصواتهم ضدا على قيم النزاهة ، وهو ما يستجيب للفصل 11 من الوثيقة الدستورية حيث أكد بمقتضاه المشرع الدستوري على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي ، كما أن المشرع في الفصل نفسه جرم كل فعل مخالف للمقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية .
وأزعم نهاية أننا جميعا كمغاربة مطالبين بحسن تمثل بيداغوجيا الانتخابات لصالح تنزيل النموذج التنموي الجديد و بلورة غاياته الفضلى لصالح مجتمع العدل و الإنصاف في دولة الحق و القانون ..
مقال رائع مزيدا من التميز صديقي