لماذا استفاد التجمع الوطني للأحرار من صناديق الاقتراع؟
فؤاد الجعيدي
الأعراف الديمقراطية في الفكر السياسي، تقتضي أن من ترفضه صناديق الاقتراع، أن يعود إلى صفوف المعارضة ويعمل على إعادة بناء الذات، ويقوم بالنقد الذاتي المطلوب، لا أن يتبنى خطاب المظلومية ويجهد نفسه في التأويل الذي يخدم نزعته البكائية.
وفي الأعراف الديمقراطية، المسؤولون عن الفشل، يستقيلون وينسحبون في صمت، ويبحثون لهم عن مواقع بين الناس في الحياة، التي لم تكن في يوم من الأيام متوقفة على وجودهم.
علينا جميعا أن نطوي صفحة من تاريخنا، ليس كطي السموات والأرض فتلك قدرة لا يمتلكها البشر، لكن ما بحوزتهم هو تكوين خلاصات والخروج بالدروس التي تفيدنا في المستقبل، وتساعدنا على تجاوز تعثرات بناء الدولة الحديثة، التي تؤمن جودة الحياة لمواطنيها وتعمل على تعزيز مكاسب العدالة الاجتماعية والتوزيع المتكافئ للمقدرات الوطنية، والخيرات التي ينتجها المجتمع، وأن نساهم في خلق الشروط والظروف لانخراط كل أبناء هذا الوطن في التنمية والازدهار.
لقد ولى زمن الشعارات التي تلهب أحاسيس الجماهير، وتركب على عواطفهم لقيام الثورات على النهج القديم، ولم يعد الناس يبحثون في هذا العالم المتحول ولا يناشدون سوى العيش الآمن والاستقرار، ولن يكون بوسع أي تنظيم سياسي ليكون مؤثرا اجتماعيا إلا حين يتبنى في أهدافه النضال من أجل بلورة هذه التطلعات ويجعل الناس يستفيدون من ثمارها.
لقد تمكن حزب الأحرار إلى حد ما، من أن يتفهم هذه العوامل الجديدة، حين قرر في قيادته أن يزور مائة مدينة مغربية، للانفتاح والتواصل والواسع مع المواطنين، وليقنعهم بأنه يتوفر على حلول وقناعات للخروج من الأزمات الاجتماعية التي يعيشونها، ويتجاوب مع المطالب التي يرفعونها، من هذا اليومي الذي تعرت فيه الجراح والآلام.
خصاص كبير في فرص الشغل، تمس كل بيت بيت ومنه تداعيات لا تعد ولا تحصى لمن فقدوا تأمين قوتهم اليومي وخرجوا يصيحون في الشوارع ومنهم الأرامل والعجزة، وصحة تراكم العجز والخصاص في خدماتها العلاجية والاستشفائية، وتعليم عمومي ازدادت أركانه اهتزازا مع الجائحة.
كل هذه المآسي الاجتماعية باتت تتطلب إجراءات فورية وعاجلة، استطاع معها الأحرار حسن التفاعل بالإنصات والإعلان على شعار (الحكومة التي تحميها مواطنيها)، وتنظيميا تمكن التجمع الوطني للأحرار من الانفتاح على الطاقات الشابة فيما تقدم به من لوائح واستقطاب الغاضبين من قوى سياسية لم تحسن التعاطي مع خلافاتها واحتوائها.
ولمن ظلوا يتشككون في التجربة الديمقراطية، كنتاج لعمليات صراع طبقي، ويعزفون على التفاعل الاجتماعي معها، بما يحدث التغيرات المطلوبة في موازين القوى، إنهم يتواجدون على الهامش ويتأكد أنهم لم يحسنوا قراءة الواقع، المغربي في متغيراته.
وهذه التغييرات باتت تتطلب مزيدا من التجاوب مع الناس وبواسطة الناس من أجل الناس، وليس الاسترخاء بالأبراج العالية، في انتظار أن يتم إصلاح أعطاب الديمقراطية وبلوغها مراتب الكمال لينزلوا لقطاف ثمارها، وهو لعمري حالة من يتلذذ بكؤوس الراح على مقاطع مطولات أم كلثوم، ولا ينشغل بالمد والجزر الاجتماعي والذي في كثير من الأحيان يساهم في يخلق الانتكاسات.
إن الحقيقة الاجتماعية تؤكد أن الواقع يظل واقعا على الدوام، ويظل العمل على تبريره، يساعد في تغذية الانتكاسات، لكن الأمل الذي يربط الناس بالحياة هو أن تتغير إلى ما هو أفضل، وربما التجمع الوطني للأحرار أدرك ذلك.