صحوة بحضرة الشّجن ..
د. سعيد ألعنزي تاشفين
ينسل هذا الشّجن من نبض المدى ألف حكاية للوشائج ، يرتّب فوضى الخاطر انتباها لمجد الثّكالى في دواخل المسخ الذي حلّ بالأسوار ، ثم يتوضأ الحنين برهةً كعصافير الفلق الرحيم فوق شموخ النخل باسقاتٍ حزيناتٍ مكابدات .
بلدة اللّه تنسج مشجب خلقها مرّاتٍ و مرّات ، و أواصر الطيبين المنسيّين من الذين طفقت ذاكرتهم تغزل غيما من مكر المآل . و تنسج البلدة حُلما أخر ، و تروي وجعََا تفاصيلَ الدّيار الواقفة عنادا رغم حجم الخراب . و البلدة هنا تسكب نورا في فلوات المستضعفين ، و تتنزى بالهوس فيما حلّ بها من ضياع .
بلدة الله يا أيتها المضاءة ليلا بعطاءات الذين رحلوا ، أيتها الرحيمة ككل الأمّهات ، علميني رجاء أغرف أنفاسك و أجفّف دموعك بمنديل الصّمت ، علّميني كيف تتحوّل دمعات الصغيرات إلى شجن يؤنس غربة التاريخ و يحوّل الجفاء إلى وصال للروح التي يأتيها العياء كالطيف .
يا بلدة الله أنت النزيف من ظمأ لا ينقطع ، و رغيف الخبز بملح الديار ، و المذياع القديم بحضن الآباء ، و الفلاّحات من نساء القصر الطيني يخرجن تباعا لالتقاط جدوة مدى بين مخالب الدّمار ، و أوبة الحقول الصغيرة في استقبال الجيّاع ، و يستمر معك أنين السديم .
يا بلدة الله أنت همزة وصل مع ما بقي هناك من مجد التاريخ ، و الوشاية صبيب المنحرفين حصيّة مثل تفل بخاطر الوهن . و الشمس ببحبوحة الساحة الجامعة لأشلاء الضياع بحظوة » تامردولت » مغتسل للروح الوضيئة التي هي على أهبة السّخاء تنشر على حبال الإغتراب ألف انشراح . و ها هنا الأن بين متاريس القلب الشمسُ تجدل قلبَ النهار كزفة الليل لانهمار مجد التراب . و أنت هوية كل الأمكنة انعتاق من حظيرة البأساء و حشرجة الغبن اللعين ، و الشّجن يقين النبوّة في زمن الفلوات من هدى السماء و من محارم الطقوس .
يا بلدة الله لقد غسَلت الريحُ جناب الزيتون و نخيل الأنس الرّحيم ، وأروت ذكراك ظمأ المصلّين في محراب القبيلة ، و في صلاة الغفيلة كلّ التفاصيل، صلاة للمطر و للريح و لنزيف العمر ، ووصل سُندسي للموسومين بالحياة رغم خراب التجلي و التعب العميق . و هذه الديار الواقفة في حضرتك رغم التصدّعات بارجة للسؤال و لأُنس النشيد ، و يستمر فيك ومعك الشّجن الجميل .
يا بلدة الله ماذا حصل و الصغار يخرجون من جبّ الألم نشيدا يدغدغ خواطر الغرقى، ويكتبون الحياة الرحيمة حكايات من أبجدية الخوف على عتبات الدروب الملتوية ، ثم يرتّبون وهم العجائز بدمعةٍ و نكبةٍ و بانتباهٍ جديد. الكبارُ موسم الزهيرات بمحاذاة الجامع القديم الذي خرّبته أيادي سبعة رهط من دعاة التبديل ، فانفلت منّا يقين الطين بجامع القصر العتيق، و حلّ الإسمنت مثخنا بالتزوير حتى ما عاد فين مؤمن و لا صالح ، و كل التفاصيل تحوي لغطا كبيرا من الانحراف العظيم .
يا بلدة الله ها أنا أجدّد صلة الرحم مع قدح الأتاي و مع عتبات القصر القديم ، و أغسل حزني من الساقية الكبيرة التي تعبر الحوافي ، ثم أصلّي لله وفاء للذين حرّروا الحقول و المياه و التاريخ من عقدة العار قبل أن يحلّ التنطّع هوية جديدة تنفلت من كل الطقوس و تنصّب نفسها البديل المنتظر في حضرة الخراب ، و إني لا أستطيع معك صبرَا .
و رغم هوسي و خوفي يا بلدة النكبات فحتما لي شجن يرتسم بتخوم الروح تمثالا للوصل و الشموخ على نغمات الشجن الجميل ووفاءَ للذين قدموا كل شيء ثم رحلوا مخلفين عارا يتلظى، وهكذا أنوبك بما لم تستطِّع عليه صبرا .