دروس وعبر من مدرسة الاتحاد المغربي للشغل
فؤاد الجعيدي
ولجت مدرسة الاتحاد المغربي للشغل في بداية سنوات الثمانين من القرن الماضي، ساعتها كنت أقضي الخدمة المدنية بسلك التعليم، جئت هذه المدرسة على للتو من الاتحاد والوطني لطلبة المغرب، كان للأسف هذا الاتحاد العظيم تمكن منه المتياسرون وسلموه على طبق من فضة للحركة الحركة الظلامية التي صارت فيما بعد تعتبر الحرم الجامعي هو الحاضنة لتفريخ أطرها كما فعل اليسار في مراحل سابق.
الاتحاد الوطني لطلبة الغرب صنع العديد من رجالات الدولة، لكن المرحلة التي اتيت فيها كانت البوادر الجنينية لاختلاطات هجينة لم نتمكن من إدراكها ساعتها.
النخب تتدافع للاصطفاف على المنافع بالولاءات.. شاءت قناعتي أن أظل وليا لنفسي إلى أيامنا هذه. ولم أندم على اختياراتي لأني بقيت أعاشر الناس وأتمتع بالجلوس في الفضاءات العمومية ولا أهاب أحدا..
في إحدى المرات أرسل لي الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل رسالة مكتوبة عبر المسنجر فور الانتهاء من مهمة كلفت بها بالمجلس الوطني الأعلى للثقافة والتعليم والتكوين المهني، حيث جمع اللقاء داخل اللجنة رئيسها عميد كلية الحقوق بمراكش والمدير العام لمكتب التكوين المهني وانعاش الشغل وممثل عن الباطرونا من قطاع النسيج وزملاء من الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل والمنظمة الديمقراطي للشغل.
كانت المناسبة تقديم الرؤية الاستراتيجية المستقبلية لكل نقابة لتنمية القطاع في أفق سنة2025.
في الواقع لم أنم تلك الليلة لأني استشعرت مهمة جسيمة وكنت في الموعد وأتأسف أن باقي النقابات كان لممثليها قضايا ذاتية وغياب الإلمام بقضايا وشؤون المستخدمين وتطلعاتهم.
لم أكن أحلم بمثل هذه المناسبة لولا فضل الاتحاد المغربي للشغل علي لكي أكون في مواجهة مع مدير عام لا سامحه الله عنيدا ومتجبرا عن جهالة فكانت لي المناسبة لتلقينه ما يجب أن يتعلمه.
كان الرجل يظن أن التكوين المهني ابتدأ ساعة تعيينه سنة 2002 فأعطيته درسا في التاريخ عن نشأة المنظومة ومنذ الحماية الفرنسية وكان أول مركز بني بالمغرب بالرباط في منطقة المحيط لتوفير اليد العاملة لإصلاح المحركات ذات الوقتين، معنى هذا أن ميلاد المنظومة ارتبط بإشباع حاجة ناشئة ملحة في الواقع الانتاجي المغربي، وأن الرجل لما وضع على هرم المؤسسة كان يجهل تاريخ المؤسسة حتى ارتأى من السهل تحويلها إلى ماكينة لإنتاج الطاولات المدرسة وهو المشروع الذي توج بفشل ذريع وخلف خردة لا زلت لعنتها تطارد المسؤولين إلى اليوم.
في ذلك اللقاء وداخل تلك المؤسسة الدستورية لم يكن من حق سيد العربي الرد علي فأكدت أن بناء هذه المنظومة التي جاء إليها كان بفضل رجال ونساء ساهموا في إعداد البرامج البيداغوجية والمناهج والمقررات وكانت خلفهم جامعة وطنية للتكوين المهني ساهمت في وضع الاستراتيجيات وعبأت مناضلاتها ومناضليها للفوز بكل التحديات التي كان سيد العربي يجهلها.
كان الرجل لمزابي ينصت إلي باحمرار وجنتيه في نهاية اللقاء سايرني في طروحاتي الواقعية، بعد اللقاء ابتسم في وجهي رئيس اللجنة وأشاد..
ساعتها كم كنت خجولا من كل العلاقات الاجتماعية التي تحكمنا بالخوف والنفاق أن لا نقول الحقائق كما ينبغي أن تقال، لكن الرجل لمزابي ظل يحمل علي حقدا وصرفه علي بالاقتطاع من أجري .. وهذا العمل الخسيس ساعتها لم يكن يهمني انتقم الرجل وأقالني من وظيفتي باستخدام ابن أخته الذي لم يكن سوى جلديا تسلق منتسبا للاتحاد الاشتراكي واستفاد من دار الطلب بفرنسا ولما عاد إلى المغرب اشتغل بغرفة التجارة والصناعة بالقنيطرة ولما سعد خاله بالقطاع أتى بهذه الجلدة ووظفها كمخبر على رأس التواصل بالقطاع والذي لم يفهمه سوى بحمل كاميرا وراء عجوزه والتجوال بها بالمؤسسات التكوينية عبر التراب الوطني واحترف أخذ الصور، لبيوت الراحة بالمؤسسات ثم المقايضة بها.
لما انتهى اجتماع المجلس الأعلى للثقافة والتعليم والتكوين المهني وجدت رسالة من الأمين العام الأخ الميلودي المخارق يقول لي فيها
( الرفيق فؤاد أنت مفخرة للاتحاد المغربي للشغل، وأنت دوما تساوي نفسك ) كانت الرسالة باللغة الفرنسية، جلست بأحد مقاهي الرباط تأملتها جيدا وتملكني الفخر والاعتزاز، ثم دخنت سجائري بشراهة ونمت تلك الليلة نوما عميقا.
في مدرسة الاتحاد تعلمت أن كل التضحيات في نهاية المطاف وكل المعارك المصاحبة لها تمكننا من الرضى عن النفس وتمنحنا الأمل أن التغيير ممكن لكن بالثبات على المواقف التي أولا وأخيرا، تعني نحن جهة لا تنحي.