لا خيار غير تبني مقترح الحكم الذاتي
فؤاد الجعيدي
التطور الحاصل في موقف الحكومة الاسبانية من قضية الصحراء المغربية ، اعترضت عليه جبهة البوليساريو وقصر المرادية، الأولى أصدرت بيانا والثانية استدعت سفيرها من العاصمة مدريد.
ماذا يعكس كل هذا؟.. أن النزعة الانفصالية وبإيعاز من قصر المرادية لا زالت تعتقد اليوم، أن بإمكانها الترويج وسط المنتظم الدولي، لقاموس من المواقف التي لم يعد لها معنى، منذ أن قدم المغرب مقترحا واقعيا وقابلا للتفاوض على أسس الحكم الذاتي والجهوية الموسعة التي تضع شؤون أهل الصحراء المغربية، بين أيديهم للمساهمة في بناء الدولة الحديثة خارج معتقلات خيام تندوف التي باتت معزولة كليا عن التأثير في أحداث المنطقة المغاربية.
الصدمة الكبرى لجبهة البوليساريو هي أن تسجل في بيانها أن لغة الموقف الإسباني كانت أكثر جرأة اليوم، في الإشارة الى مضامين المقترح المغربي باعتباره (الأكثر جدية وواقعية وموضوعية… الخ لحل النزاع في الصحراء).
وهو الوقف الذي سجل في سياق اعترافات دولية واسعة منذ القرار الأمريكي وعرف امتداداته، وسط الدول العربية والأفريقية التي سارعت لفتح تمثيلياتها الدبلوماسية في المدن المغربية في جنوب المملكة وأيضا للتعاطي الجديد لبعض دول أمريكا اللاتينية مع القضية.
على المستوى الدبلوماسي، لم يعد أي خيار آخر خارج المبادرة المغربية..
غير أن تطور الأحداث، بدا اليوم يكشف وبقوة أن الجزائر طرف معني، حين تطلب من سفيرها العودة إلى قصر المرادية للتشاور في مستجد الموقف الإسباني، لكن من جانب آخر وهذا هو المهم أن تشنج الموقف الجزائري واستمراره في تصريف كل مواقف العداء لقضية الوحدة الترابية المغربية، غدا يعمل على عزل الجزائر أكثر على الساحة الدولية، ويؤكد انحيازها واصطفافها وراء كل القوى السياسية عالميا في أن تجعل من منطقة الشمال الإفريقي، بؤرة توتر لتصريف الصراعات شرق أوسطية وهو الاتجاه الذي لم يدرك بعد أن خياراته مرفوضة من طرف شعوب المنطقة وقواها الحية.
وهذا الاتجاه بالضبط لن يقوى مستقبلا على مناهضة الخيار المغربي الذي يبني علاقاته، نحو الاتجاه المؤمن بتبادل المنافع والسعي لعمليات البناء المتواصلة، واستحداث المدن الحديثة وبناء المشاريع الضخمة التي تنتقل بأوضاع الناس إلى ما هو أفضل، وتجويد حياة للساكنة التي عانت ولزمن طويل من الخصاص في البنايات الأساسية للحياة والاستقرار.
فمعبر الكركارات، لم يعد خلاء لقطاع الطرق بل صار معبرا استراتيجيا للوصول إلى العمق الإفريقي، وتدفق المؤونة والسلع والمنافع والاحتياجات التي يسعى لها الإنسان الإفريقي.
إننا اليوم إزاء إرادتين: إرادة البناء والتطلع إلى إفريقيا الصاعدة من آلامها للاهتمام بأحلام بشعوبها، والعمل على نهضتها وإخراجها من تعب التطاحنات التي عرفتها منذ عقود، وإرادة استغلال مآسي الشعوب التي يسيل لها لعاب القوى العسكرية في بعض الأنظمة الشمولية.. وأن هذا الاتجاه آخذ في الأفول أمام الإرادة القوية لعهد جديد يقوم على أسس التعاون بين الجيران للتغلب على عوامل التخلف ورد الاعتبار للإنسان الإفريقي وحقه في الحياة.