لن نبوح إلا لنستريح من وجع الدنيا

لن نبوح إلا لنستريح من وجع الدنيا
شارك

فؤاد الجعيدي

إني نتاج مرحلة كان فيها الايمان عميقا ومطلقا بالكفاح والنضال واليوم تيتمت… خذلت مرات عديدة، لكن أحاول في كل الطرقات والمنعرجات الحفاظ على استقلاليتي شرفي أناي التي لا أملك سواها.

هذه هي الحكاية

منذ يومين، لم أنم. القلق يعصف بي بقوة . أخاف أن أعود لعزلة قاسية وموحشة، مرت بي. .

قاطعت الناس لمدة سنتين. كنت فيها قد سئمت النفاق الاجتماعي الذي لا حدود له في التناسل، تزامنت الحالة مع الرحيل الأبدي للوالدة والتي كنت فيها أرى سندي وقوتي وأملي، أن أعيش من أجلها علني أقوى على رد جزء من دينها، لكن الموت الآثم اختطفها مني.. لأدخل مغارة عزلتي التي تحولت عندي إلى عشق مظلم للرطوبة، بعد أن ماتت في كل الحوافز.

قال لي الطبيب المعالج ساعتها أني أمر من حالة اكتئاب قصوى وقد تؤدي بي للانتحار .

ربما لم أعد مهيأ ومحظوظا للعيش بين الناس.

العزلة قاسية لكنها مريحة للضمير. كي لا أرى وجوه تثير القرف والغثيان مثل وجه ذاك الملتحي.. صرت أضحك رغما عني، ووجوه بعض الناس التي ماتت فيها معاني الإنسانية تضايقني، أكاد لأجن.. في هذا العالم الرديء لم أجر نحو الاغتناء أو الثروة.. وأقر الآن أن ألذ وجبة أشتهيها هي الطون والحار

حين أكون بدرب غلف بالدار البيضاء يأخذني الحنين لأقصد هذا الشيخ  في هذا الركن، بزاوية من مدخل السوق، له مائدة قديمة وعليها الخبز البايزي وعلبة كبيرة من شرائح التونة وعلبة أخرى من الفلفل الأحمر المفروم. بات اليوم يضيف للمائدة الطماطم والبطاطا وشرائح اللحم المعلب.. ويقول هذه عادات الجيل الجديد.

  نحن الذين لا زال الشيخ  يتذكر وجوهنا، ونحن  في الفصول الإعدادية من الدراسة، كنا نقصده في الظهير لنأكل الطون المشبع بالحار، لكن صار منا وبيننا حين كبرنا، أساتذة وقضاة ومحامون ورجال إدارة لكن أغلبهم حافظ  على ودهم القديم  مع الشيخ.

حين تأتي بهم الأقدار إلى درب غلف يمرون للتلذذ بطعم الطون والحار

قال لي في إحدى المرات القضاة يزورونني ورجالات الدولة أنتم لستم جيل الماكدونالز، أنتم أبناء الحار فقط ..الطون والحار والمتعة والسعادة .

قلت لرفيقي أمازحه، أشترك معك في تقاطعات علنية وخفية لذلك دوما أعشق أن أمازحك بالقول ( راك مبنجني)

حذاري أن أستيقظ من تخديري لأرى العالم ينهار من حولي.

فزعت في الكثير من الرفاق والأصدقاء وفي نهاية المطاف، آمنت بأن الشرفاء بهم بلاهة فطرية، يضحكون من القلب ويغضبون من القلب وينسون بسرعة لا مكان للحقد في قلوبهم.

قلت لرفيقي:

عشقت فيك أشياء

وكرهت فيك أشياء

كم أحبك

أنا لا أحبك

وحين لا أحبك، كم أحبك.

قلت له:

اغفر لي جنوني، ومجوني، إني أعيش الصداقات بصدق أعيشها وبعفوية الأطفال.

قلت له:

لا أخفيك أني حين آخذ فنجان قهوة، أتهوه في تفاصيل الحكي، جئت من مدينة بحرية عرفت ميلادي، ورمتي في أحضان مدن أخرى تسكعت وتخشعت وقرأت آيات الله الكبرى وأمنت ثم كفرت بالطاغوت.

في أنستي وجدت ربا رحيما يقول: استغفروا أغفر لكم مهما تعاظمت الذنوب وله رحمة وسعت السماوات والأرض.

نحن المحتاجون ونحن الطالبون ونحن الراغبون ونحن الضعفاء ونحن الفقراء ونحن المحتاجون لرب رؤوف رحيم.

قلت للرفيق:

عزيزي، اعذرني أيها الطيب كثيرا، ما يعذبني دماغي بكثرة التأويل والتفسير ولا أحتمل.

لا أعرف النفاق,

وسأموت هكذا.

حين أعود إلى رشدي يأخذني الضحك على كل بلاهتي الحمقاء.. وأتيقن أن الجلوس لفنجان قهوة في المساء، أفضل من كل متاعب الدنيا التي لا ترد بل تقتضي منا أن نغلق كل النوافذ التي لا نستريح فيها.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *